السبت، 24 أغسطس 2013

الغيب , التوحيد. الاخوان (نقد لمقال فيصل القاسم)

بدون مقدمات المقالات الفاتحة للشهية فماغادر الصحفيون من متردم , أعجبني مقال فيصل القاسم الأخير ليس لشخصية الرجل البراغماتية لحد نعتها بالنفاق من بعضهم..من اغلبهم حتى نكون صادقين , و حتى اكون صادقا اكثر اعجبني المقال لأنه تجسيد لشخصية الرجل  المادية الجدلية , الداروينية و ما شئت , فقد أتحفنا معري الجزيرة بنظرة بدأت تظهر للكثيرين اليوم في مسألة العلمانية و فصل الدين عن الدولة , بلا شك ستصدم كثيرا من المسلمين - و غير المسلمين بلا شك ايضا-  الذين فهموا من دينهم صراحة ان العلمانية كفر و خروج بواح من الاسلام,لأن مفهومها او ربما منطوقها رد امر الله عليه , و مخاطبة السماء: ربما اعترف لك فعلا انك احسنت ادارة العالم حتى القرن الخامس عشر, لكن الى هنا شكرت السماء لك يا سماء سعيك , أخيرا استطعنا او نحن في طريق تحقيق نبوءة نبي الزرادشتية الجديدة نيتشة في ان ننزع يدك الغيبية عن كل شيء , من علومنا الى قوانيننا الى ارضنا هذه فاكتفي بسماءك و لا تتدخلي بعدها في ارضنا فمملكتك الموعودة لنا في الأرض كما هي في السماء قد اقتربنا من تحقيقها بدون الحاجة الى رحمتك و لا جبروتك , فقد بدأنا نمتلك تقريبا رغم كل تخليطات اصحاب نظرية الشواش و نظرية الفوضى ازمة خلقك الذي خلقت, وواقعك الذي برمجت , و حاجات كونك الذي فطرت .و حاكي الكفر ليس بكافر...
حلاوة مقال عقل فيصل الذي بدون -ساركازم و بصدق- يفتخر به ان يكون من القامات الاعلامية و الثقافية التي تتعلم منها ثقافة معاداة الأنا و التدرب على التجرد و الموضوعية الواقعية في هذه المنطقة الجاهلة المتخلفة المقلدة المتعصبة , انه يجابه الشناعة السابقة بكلام يبدو ظاهريا مفحما و مقنعا و مسكتا لكل الغيبيين الالهي منه و الانساني, الصحيح منه و الضعيف, القريب منه و البعيد, كلام خلاصته القوية :  انا دلالتي نفس الواقع المعاش, فلا تجربة اليوم تنجح الا بنفض الغيب عن ظهرها , اذ خرج مسيح اهل المصلحة العاجلة المادية الرأسمالية مناديا بنهاية التاريخ و موت الايديولوجيات و صاح : ان لا غالب لكم  اليوم من الناس و اني جار لكم , و هذه جيوش الغيبيين تنهزم الواحدة تلو الأخرى و بعدما اخرجوكم من ديارهم التي استعمرتموها من قبل ها هم ياتونكم في قوارب موت و يوشك ثائرهم يصيح بان تعودوا لقبر صلاح  الدين من جديد....
لا شك ان هذه النظرة صحيحة الى حد بعيد , فالناس ما عادت تطيق ان تتخذ في سبيل لقمة عيشها بعضها بعضا اربابا, و لا ان تصبر في سبيل تحصيلها على غيبيات ما تعلم انها انزل لها من سلطان , هذا الالحاد بالغيب ضروري للتحرر ولا فكاك منه لأي فرد او مجتمع ان شاء كسر الأغلال المتراكمة عليه من اجيال لم يكن من هدف واقعي لفرضها عليه الا خدمة مصالح ملوك واحبار سوء و رهبانها .
لكن هنا سؤال مشروع على طريقة مقدمات الاتجاه المعاكس التي طالما علمتنا الجدلية الداروينية البروتاغورسية  الجاحظية في احلى قوالبها الساخرة..أليس هذا نفسه الذي سردناه هو ايديولوجية غيبية بحد ذاتها يراد فرضها ؟؟؟ بمعنى هل يمكن نشر هذه الفكرة البسيطة بدون سلوك طرق غيبية ضرورة ؟؟؟ هل يمكن فعلا الافلات من التنظير و التدليج و تركيب النظريات و غيرها من وسائل العقائد و الأديان و الايديولوجيات السابقة؟  اليس نفس الاجتماع الانساني و طبع الانسان المختلط بين باطن و ظاهر هو الذي يفرض الغيب على اي فكرة مهما حاولنا تبسيطها لمطابقة مصلحة الواقع المادي و حسب؟؟؟ ما الذي يضمن ان نفس محاولة نشر هذه الفكرة  -و لو بمقال يتيم مليء بحسن النوايا - هو محاولة أخرى لفرض خضوع الفرد مرة اخرى بشعارات المصلحة العاجلة حتى تتحقق مصالح افراد وجماعات اخرين ؟؟ هل يمكن فعلا التخلص من الغيب و الخضوع؟؟؟ اليس ذلك في حكم المستحيل كما قال فيليب سيمور مور لخواكين فيونيكس في فيلم الماستر: اذهب...فان وجدت احدا في الدنيا لا يخدم سيدا ابق قابلني ساعتها...؟؟؟
ألسنا بهذا نحاول خداع المواطن العربي المسلم المسكين الذي لا يعلم بعد ان هذا الفكر المصلحي ايضا المسيطر في بلاد العم سام له اساطيله العلمية و التكوينية و الفكرية و القانونية التي بنته كله على قواعد غيبية بدأت تنتج امراضا اجتماعية خطيرة من الأزمات الاقتصادية الطاحنة لملايين الفقراء الى انتاج اعداد من اطفال و شيوخ ضحايا الانهيار الاخلاقي مرورا بتغول الجريمة المنظمة مظاهر تلجأ الى علاجها نفس هذه الأنظمة الى حلول مناقضة تماما لهذه الفكرة البسيطة؟؟؟ مناقضة تتجلى في ان "أ" يدفع من ماله  ل "ب" لاصلاح خطأ "ج" وهو ما يعد بحسب منظري هذه الفكرة نفسها غباءا منقطع النظير من الألف هذا مهما قال انما أريد الاصلاح ما استطعت  لأنه الزم نفسه ان يطلب اثرا بعد عين ؟؟؟ اليس هذا يؤكد مقولة كانط ان الغيب حاجة انسانية لا يمكن تجاوزها و ما قال شوبنهاور ان الانسان حيوان غيبي؟؟؟
من هذه الضرورة انطلقت الديانات التي زعمت برهان الاتصال بالغيب , و هي تبقى لحد الآن الأكثر اتباعا في كل التاريخ ان اخذنا المعيار الديموقراطي, او اكثرها تغلغلا في طبقات العوام ان اخذنا المعيار النفسي’  فان بقي لنا المعيار الموضوعي, فآخر هذه الديانات التي تزعم انها اتت لا صلاح و فرمتة و تكميل النسخة الكاملة المتضمنة لاصدارات النسخ السابقة من ديانات الغيب, نرى انها في كلماتها الافتتاحية المسماة الشهادة, تتضمن قدرا كبيرا من هذا الالحاد السلبي , الحادا و كفرا بكل ايديولوجية لا برهان واقعي ملموس عليها ,و لا شرعية لأصحابها , من بشر او حجر او غيب او دين او سياسة او علم او  ما كان , في شقها الأول تنحر كافة الغيوب التي تقول حسب تعبيرها انها تغل الانسان عن الوصول الى مصالحه , لكن لحاجة الانسان الى الخضوع , فهي لا تكتفي بالحاد سلبي حتى تضم اليه الحادا ايجابيا, تربط الفرد بشخص  خارج عن كل منظومات واقعه بائن عنها و التي يمكن ان تستغل حاجته الفطرية هذه للخضوع لتنظيم جماعته فتخضعه لمصالحها حتى لو كانت بتبسيط فكرتها كما فعل عبقرينا فيصل , و تحتكر هذا الخضوع حتى لا يتمكن منه اي بشر او مخلوق كائنا من كان حتى لو تكلم ذلك المخلوق باسمه , و احتكرت هذه الديانة حق الغيب , و منعت حيازته عن كل افرادها حتى بدا مجتمعها الأول كمجتمعات اليوم التي تسود فيها اشتراكية المعرفة حيث لا رهبان و لا شيوخ دين و لا  طبيعيين متفلسفين و لا سياسيين نخبويين بل الجميع يمكن ان يتعلم من الجميع , و جعلت اوامر و نواهي ذلك الشخص المتعال لا تكون قطعية في تنظيم المصالح المادية العاجلة الا بما رأته كل الجماعة او المجتمع , و ما اختلفوا فيه فلا سلطة غيبية لأحد على اخر بل حتى نفرت من الوعاظ و القصاص المستغلين للغيب للتنقص من واقعية وعي الناس و ربطهم بالنفعية و ما تحته عمل , ربط بالمصالح في حق الاجماع و الاختلاف النقي من خلط الغيب الانساني بالغيب المحتكر الهيا هدفه الأول بحسب هذه الديانة التناغم الاجتماعي و ان ادى احيانا الى التضحية ببعض احكامها حين يعطل الجهل ظهور المصلحة في المجتمع بهذه التدافع الاجتماعي النفعي الى حين ظهورها, و هو ما كان جمع بيانه القانوني الفقيه الطوفي بعمق اوفى مما فعل الفاضل بنتام و انكره معاصرونا رغم انه منتشر في كتب المصالحيين  من قبله و بعده كالشاطبي و ابن تيمية و العز و الغزالي بعبارات و تركيبات مختلفة كالتدرج و الرجعية في النسخ و غيرها من مباحث الأصول  , غير انهم فرقوا و هو جمع  ...
المقصود ان الحديث طويل الذيل لكن فكرة المقال الأساسية هي ربما اول طريق لأن يتعلم الناس في مجتمعنا الشرقي المتخلف الجاهل الظالم العنيد ...الخ تطبيقيا و تعايشا التحرر الموجود في الشق الأول من شهادة التوحيد , فان كان شيء ما جمع النماذج السياسية الفاشلة المذكورة من الشيوعيين الى الاخوان , فليس هو تضمن سياستهم للغيب كما تلمح شخصيتنا الاعلامية القلقة, و انما ادعاؤهم قولا او فعلا و بدرجات متفاوتة احتكار الغيب دون الجماعة كلها, و هو ما يشكل نقضا جليا او خفيا لأول شق من لااله الا الله.

هناك تعليق واحد:

  1. لا إله إلا الله لا تحتاج إلى فلسفة لفهمها هي بسيطة موجودة في كل الموجودات عميقة في فطرة الإنسان واسعة في ملكوت السماوات والأرض الإيمان بالغيب هو المحك الإول للإيمان (ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) والإيمان بالغيب قد يستغل للسياسة ولكن هذا استخدام شرير والاستخدام للإرتباط بالله محمود وهو المراد أنت في الدنيا لتعمل وسيرى الله هذا العمل ومساحة العمل غير محدودة من الإيمان النقي إلى أقصى شطحات الإلحاد والكفر والإتحاد مع الشيطان . ملاحظة : للملحدين والعلمانيين في أفكارهم صفات ثابتة منها أنهم يتوهمون أنهم الأفهم والأعمق فكرا والأنضج وغيرهم أقل منهم وهذا ظاهر في كل كتاباتهم وهم ينظرون من زاوية واحدة هي الماديات والمحسوسات ذلك لأنهم ينكرون الغيبيات وينكرون وجود الله وهو قمة العجز فالغيب موجود حتى في الماديات أين الكهرباء أليست غيب ولكن له أثر لن نخوض بهذا المجال فالهداية من الله تبارك وتعالى وأخيرا كل من يستعمل الحاجات الإيمانية والروحية لأغراض دنيوية وسياسية يستطيع ولكن إنما يقضي هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة وله عمله والجزاء والحساب الذي ينتظره يوم القيامة ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا

    ردحذف