الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

توتة توتة...فين باقي الحدوتة؟ (ست مفاجآت لباسم يوسف في مقاله عن الفلاسفة المسلمين)

افتتاحيات باسم فعلا من الذكاء بحيث لا تجارى في  ملاحظة اشياء قد لا يعيرها الكثير منا اهتماما...كلامه فعلا عن الحدوثات يلمسه كل واحد منا حتى في حلقات توم و جيري...يلمس فيها التعقيد في تداخل الخير و الشر و ان ادراكهما ليس بهذه البساطة فكثيرا ما يخرج الخير  من الشر و الليل من النهار و الحي من الميت...و لربما ان  ما يبعد التاريخ كما الحياة عن منطق الحدوثات هو قدرة الحياة كما المرأة الجذابة على المحافظة على خاصية المفاجأة و ان تأتيك بما لا تشتهيك سفنك و مفاجأة حتى اكبر من يدعى له الخبرة بالثرات كيوسف زيدان الذي خرج اليوم في برنامج اذاعي ليشد على ما ادعاه الغزالي من العصمة للمنطق بمنطق لفظه الناس حتى يتقدموا ...فمن يدري..ان كشفت التحقيقات التي يدعو اليها الحداثيون في التاريخ عن خلاف ما يشتهون هل سينقلبون عليها كما عودونا في الانتخابات...؟؟؟
منذ عشرين سنة تقريبا بدأت حدوثة خاملة..في اعماق الانترنت و مع بداياته, ..بدأت كحكايات علاء الدين والف ليلة و ليلة حين تحدثك عن متشردين في السجون يذهب بهم الزمن حتى يصبحوا امراء مشاهير ...في بدايات الانترنت بدأت حكايات المنتديات المتخصصة في الجدل  و الجدال و المناظرات بين الفرق الدينية و الايديولوجية , و تلتها بعدها ايام البالتوك المجيدة , كانت تسمى فضاءات افتراضية لبعدها عن المراقبة التي ملأت الفضاءات الواقعية , كانت أشبه بسراديب و دهاليز و مواخير تحت الأرض..جرت فيها حروب و مطاحنات ضارية , في البداية كانت تبدو كأنها فرصة لنشر ظواهر النقد و ثقافة الرأي الآخر بعيدا عن جو الاستبداد الموبوء فوق الأرض, لكن مع المدة بدا انها كانت تسير بطريقة معينة تمنع ان ينتج من جبال الحوارات و المناظرات انتاجا و تطورا فكريا , بل على العكس كانت تقصي اي مشاركات تنحو الى التوافق و تطوير المبادئ و النقد المتبادل و تشجع المشاركات الاقصائية و المليئة بالتصفيق و التطبيل او الشتم و زيادة الكراهية و النبز و الشيطنة و التعميم ..و تعتمد تكرار الموضوعات التي قتلت بحثا مرة و مرة و مرة و مرة على نفس الطريقة كما لو انها لم تناقش أبدا , حتى يكون النتيجة التي يخرج بها اي ملاحظ لهذه المجالات الرحبة انها لا تنتج الا احقادا و لا تراكم الا مزيدا من سوء الفهم و احادية النظرة حتى صارت هذه المجالات اضيق من  المجالات الواقعية..و كان السؤال الذي فرض نفسه على كل من غادر تلك الميادين متقززا : لأي هدف تصنع هذه الحدوثات و لمصلحة من تسير و متى ستخرج الى السطح؟؟؟؟
احد هذه المواضيع المقتولة بحثا في هذه المنتديات هو قضية الفلاسفة المسلمين  التي طالما تنازعها طرفان بين مكفر و مؤله...و لااشهر من كتابي تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت على شهرة هذه القضية و قدمها قدم الزمان حين كفر الفلاسفة فيلسوف فقيه و رد عليه و الههم فيلسوف فقيه ...لكن بما ان صاحب المقالة قرر ان يجعل هذا الموضوع يطفو على السطح لينتقل من التحليق فوق فهم مختلف فيه للدين الى بعض فهم للدين مجمع عليه... و بما ان صاحبنا يحب المفاجات فلا بأس أن نلخص الموضوع في مفاجآت معدودة :
أول المفاجآت : ليس مفاجئا كثيرا ان قلنا ان رجال الدين و الشريعة التي يتكلم عنها و عن اضطهادها للمفكرين و  المبدعين لم يكفروا قط هؤلاء العلماء على ابداعهم في الطب و الفلك و الهندسة و امثالها..وان ذهبنا نستعرض كلمات الفقهاء في مدحهم على هذا الجانب و حثهم على هذه العلوم فستكون اول حدوثة تكتب في مجلدات... و قد تذكر اسماء كبيرة من الفقهاء و المحدثين نبغت في هذه العلوم و لم تذكره الكتب الحديثة و لم تلمع اسمه كابن الشاطر مثلا الذي سرقت نماذجه التي حل بها اشكالات مركزية الشمس في كتابه تَعْلِيق الْأَوْتَاد من قبل كوبرنيكس ربما لأنه يرى فعلا ان البعد عن الله هو سبب التخلف ..لكن المقصود ان الفقهاء الأكثر تشددا و تطرفا لم يتعرضوا قط لمهاجمة هؤلاء الفلاسفة على هذه العلوم الصحيحة بالنسبة لهم بل حثوا عليها و ما زال كبارهم و اذكياءهم يتدارسونهاو يتذاكرونها  في المساجد نفسها , وهو ما لمسه صاحبنا بذكائه و تحسب لان يكشف احد ما تدليسه الذي يريد ان يشابه فيه مسيرة النصرانية بمسيرة الاسلام في تعارضها مع العلم... فمثل بابن سينا الطبيب بدل ابن رشد..مع ان ابن رشد على الحقيقة اقرب للاسلام كما يفهمه هؤلاء الفقهاء من ابن سينا بمراحل كثيرة , ما يدل على انه  في دعوته غيره لاستكشاف التاريخ قبل اصدار الأحكام لا يعرف من سير الفلاسفة المسلمين بله فقهاءهم اكثر مما علمه اياه المؤرخ العلامة يوسف شاهين..

المفاجأة الثانية : ان قضية التكفير للفكر العام لم تبدأ في الجماعة/المجتمع المدني المسلم بطريقة منهجية الا بعد ان قام وارثوا علوم الفلاسفة اليونانيين من المعتزلة برفع سيف التكفير ضد خصومهم من الفقهاء و المحدثين...و نقضوا التعايش السلمي الذي كان يعيشه المسلمون قبل فتنة خلق القرآن الفتنة الكبرى الثانية حتى ان فلاسفة و علماء طبيعييين كخالد بن يزيد و بني موسى و حتى الكندي بل و حتى نصارى و صابئة و مجوس كانوا يتعايشون بسلام و يؤلفون الكتب في آرائهم و يناظرون و يتراسلون ما داموا لا يسعون فرض ما يرونه على ما تراه الجماعة او المجتمع الاسلامي كله باجماع او ما نعبر عنه بالثوابت و يكتفون بالتدافع و كانت حالات الاضطهاد غالبا ما تكون معزولة و مرتبطة اصلا بصراعات سياسية كحالة الجعد بن درهم و حالة ابن المقفع و امثالهما ...لكن لم تكن قط ثقافة شعبية مرتبطة بالقانون بين العوام الذين كان يجمعهم حكم الشريعة و ثوابتها بدليل ان كثيرا من المتطرفين من الجانبين كانوا يستعدون العوام و الملوك على قتل خصومهم و هدر دمهم و لا يستجيبون لهم ...حتى اتت الفلسفة اليونانية المقنعة بعلوم المعتزلة و استخدموا سلاح الدولة كما يستخدم العلمانيون الآن سلاح الدولة لفرض الفكر العلماني الغربي كله بقوة العسكر في دستورا بالباراشوت العسكري بعد ان عجزوا عن المغالبة سلميا...فتركت المعتزلة التدافع السلمي في حلقات المناظرات التي هزمت فيها على مدى عقود منذ بدأها زعيمهم في العهد الأموي في حلقة الحسن البصري..و استغوت رأس الدولة و فرض رأي طائفة واحدة على الجميع و يا ليت لو كان هذا رأيا من داخل الجماعة بل حاولوا فرض نظريات يونانية خارجية عنها اجماعهم على خلافها...و كفروا و استحلوا دم  كل من خالف نتائجهم المبنية على المنطق اليوناني..على مدى عشرين عاما قامت فيها محاكم التفتيش سجنا و تنكيلا و قتلا للمحدثين و كبتا للمظاهرات التي ساندتهم لكونهم كانوا الاكثر شعبية تماما كما يحدث اليوم في محاكم التفتيش المكارثية ضد الاسلاميين ...و الحقيقة يجب الاعتراف هنا ان كسر التعايش السلمي دائما ما ينتج رد فعل مضاد...فانتقلت لوثة التكفير و الاقصاء الى الجانب المضطهد بعد ان استرد السلطة..و تفاقمت هذه التفاعلات الطبيعية للاقصاء و الأحقاد باسم العلم و الحق و العدل و الحرية في الجماعة المسلمة بعدها ففرقتها اشلاء و فرقا و احزابا يتقسم فيها المقسم و كل طائفة تكفر اختها و كل طائفة ترجو افناء و اقصاء اختها كمااتفق على التكلم عن الحال بمرارة كل من الغزالي و ابن رشد على خلافهما الشديد و الله المسؤول ان لا يكون هذا ما ينتظر الجماعة المصرية فبوادره بدأت تبدو واضحة للعيان

و به تتضح المفاجأة الثالثة : أن بسبب هذا الجو الموبوء الذي بدأته المعتزلة و الذي حاولت شرح سياقه  سابقا في مقالة "
"...و ما انتجه من سجون طائفية عقلية فكرية قد تسبب  في قمع الجميع و ضرب الجميع ببعض من قبل الاستبداد التنفيذي تماما كما يقع الآن في مصر و هو ايضا احد النتائج الطبيعية لتكسير و نقض عملية التدافع السلمي داخل الجماعة , و دليل ذلك هو المفاجأة ان الفقهاء و المحدثين تعرضوا لاضطهاد و قمع و تقتيل و تشريد و تحريق الكتب اكبر مما تعرض له الفلاسفة في كافة العصور , حتى حير كثيرا من المطلعين الموسوعيين كالشيخ عبد الحي الكتاني و الف فيه كتابا يستغرب فيه لماذا لايكاد يسلم امام فقيه اومحدث من محنة القمع و الحبس و التشريد...فبعد عهد الصحابة و الفتنة الأولى الكبرى التي زرعت بذرة الاستبداد الأولى في الدولة الأموية كرد فعل على استبداد الخوارج نذكر نماذج بارزة من اللائحة 
بسعيد بن جبير قتل لرفضه مظالم الحجاج 
 و سعيد بن المسيب جلد و اقامة جبرية لرفضه مظالم بني امية
 ثم ابي حنيفة جلد وحبس لرفضه مظالم العباسيين
مالك  جلد لنقده بيعة بني العباس
احمد جلد و حبس عشرين سنة لرفضه فرض ايديولجية الفلسفة اليونانية بالقوة
البويطي مات في السجن و حوكم بعده مئات العلماء لنفس السبب
البخاري عاش منبوذا مطلوبا من سلطات مدينته لظنهم مخالفة الامام احمد وهنا بدأ الاستبداد المضاد
الطبري عاش مطاردا تحت تهديد القتل بعد ان جاهر بخلاف الامام احمد
ابن حبان حبس و افتوا بقتله لقوله ان النبوة كسب
ابن حزم حوصر و حبس و نفي و حرقت كتبه لنبذه التقليد في الاجتهاد القانوني بتحريض من الباجي
الباجي حوصر هو أيضا و حوكم لقوله ان النبي صلى الله عليه و سلم تعلم الكتابة قبل مماته 
الغزالي كفر و حوصر و افتي بقتله لخروجه من اقوال كافة الطوائف الكلامية
المقدسي حوكم و حبس و كاد ان يقتل لنقده لمعتقد الأشاعرة
ابن تيمية حوكم و حبس و افتي بقتله لدعوته لنزع القداسة عن الانتاج الانساني المرتبط بالشريعة
الطوفي طورد و حوكم لتسخيفه جميع الطوائف  و رفع شعار المصلحة في القانون
الشوكاني حوصر و حوكم و عاش منبوذا لقوله بجواز الاجتهاد المطلق و هذا غيض من فيض..
قد يقول قائل هذا ادل دليل على ان الشريعة هي سبب كل هذا..فنقول و نذكر ان الشريعة التي كانت حاكمة بيضاء نقية هي في القرون الأولى قبل الفتن الكبرى وخاصة فتنة الفلاسفة اليونانيين المعتزلة و هم اول من جعل القمع و الاستبداد الفكري ممنهجا و منهم تسلسلت مفاهيم الولاء و البراء في التكفير و التبديع و التفسيق و الحكم على الآخر المعتمدة اساسا على العقلية الأرسطية الوسطية المطلقة في التصور و التصديق و منهم تسللت الى كافة الفرق الاسلامية حتى لا تجد كتابا الا و اصابته شظاياها..و لتفصيلها مواضع..و الا فقبل هذه الفتنة تجد التعايش و التدافع السلمي  و الحرية  تزيد كلما صعدت نحو القرون الأولى وهو ما اقر به كثير من الملحدين الدارسين لهذه الحقب..  و كلما هبطت الا و وجدت تسلل فيروسات الاستبداد و التعصب و الجهل الى هذه الشريعة حتى وصلت الى الحالة الرديئة التي عليها اليوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة فأولها الحكم و آخرها الصلاة..

و هو ما يقودنا الى المفاجأة الرابعة : ان هذا التفاعل و التناسل " الجيني " لعناصر الاستبداد اليوناني ادى في نهاية حلقاته في القرون الأخيرة للحضارة الاسلامية الى التبني التام لانتاج هؤلاء الفلاسفة الذين يتباكى عليهم هؤلاء الحداثيون...نعم...كما قٍرأته فعلا..فعامة الكتب المؤلفة في القرون الأخيرة قرون الانحطاط من الفقه مرورا باصول الدين الى التفسير الى علوم الزهد و التصوف الى اللغة و التاريخ بل و الحديث و فقهه تبنت مرجعية هؤلاء الفلاسفة  و نظريتهم في وحدة الوجود التي تتبعها المفكر العبقري عبد الوهاب المسيري ..و جعلوها اساسها التفسيري و اصبحت ترى اسماء ابن سينا و ابن سبعين و التلمساني و ابن عربي و ابن رشد و الفارابي و الطوسي و ابن حمويه و السهروردي و الرومي و غيرهم من اساطين   الفلاسفة المشائين تذكر جنبا الى جنب مع اسماء امثال الشافعي و مالك و احمد كمرجعية...لا بل ما هو اكبر...جعلت المرجعية الفلسفية الغنوصية لهؤلاء الفلاسفة اعلى و اكثر مصداقية من مرجعية الفقهاء...فجعلوا الانتاج الفلسفي ممثلا للحقيقة التي هي اعلى عندهم و اكثر وصولا لحقيقة الوجود و مصالحه من الشريعة التي هي انتاج الفقهاء و  التي بحسبهم تعبر فقط عن المظاهر التي يغتر بها العوام..حتى ابتعد الوعي الجماعي تماما عن معايشة واقعه و دخل في التحشش الفكري و غرق الى اذنه في مستنقعات الفلسفة الغييبية الذهنية بكل ما تورثه من اللاوعي الجماعي المغيب للقيم و الأخلاق الجماعية المنظمة للسلوكيات بمعايير المضالح و المفاسد الواقعية...فان كانت فعلا هناك  ثقافة يجب محاكمتها عن الوضع البائس الذي وصلنا اليه فيجب مسائلة الثقافة الفلسفية اليونانية لا الثقافة الشرعية لأنها كانت المهيمنة و ست البيت في القرون الأخيرة... حتى غدا القول بنظرية الكوسموس و نظرية الأفلاك السبعة و قدمها و نظرية العقول الفعالة العشرة و النفوس التسعة و انها هي المسيرة للعالم  و المدبرة له و المنظمة لحوادثه في الأفلاك الخارجية الى غيرها من خرافات الفلاسفة ...هو قول المحققين الراسخين المبدعين في العلوم العقلية و النقلية معا...و يحلى صاحبه بمثل الألقاب التي يحلى بها اهل نوبل اليوم...مش مصدقني ارجع و اكتشف التاريخ ...

و تنبني عليها مفاجئتين زغنينين ...اولهما : ان هؤلاء الفلاسفة و الفقهاء انفسهم يقرون بان هذه الشريعة الاسلامية هي احكم الشرائع مع اطلاعهم على اصل النظام العلماني و القانون الوضعي في اصوله اليونانية و الرومانية و الهيلينية و المسيحية  في الكتب التي ترجموها ...و كلمات ابن سينا و ابن رشد و ابن عربي و ابي بركات و الفارابي في تعظيم شريعة الاسلام و الاعتراف بأنها اكثر الشرائع شمولا للمصالح الكلية التي تعطي التوازن الاجماعي للقوانين  و تعطيه التبرير الغيبي المقنع للقيم الكونية للحرية و العدالة و التي لا  مناص منها لكي يكتسب القانون و الشريعة اي شريعة صفة  الالزام عند الناس و تستقيم عليه حياتهم و التي حار اكابر فلاسفة القانون من ارسطو حتى ديكارت و جون لوك في اقامة القواعد الغيبية للقانون دونها و كثير منهم اعترف انه ان امكن التوصل بيقين الى وحي خارج هذا الكون فسيكون هو القاعدة الأمثل لبناء القوانين عليها

و ثاني المفاجات الزغننة:  ان اشكالية نبوغ هؤلاء الفلاسفة في العلوم الطبيعية العملية مع ما تلبسوا به من الكفر ليست وليدة اللحظة بل تكلم عنها منذ قرون و كثير من الخبراء باحوال هؤلاء الفلاسفة سواء من الموافقين لهم او المخالفين لهم أقروا بأن الحضارة الاسلامية القائمة اساسا على الدين الاسلامي و تفوقه و هيمنته بحسب تعبير عبد الوهاب المسيري هو ما جعل انتاج هؤلاء الفلاسفة يخرج من ربقة التقليد للانتاج  العلمي اليوناني السابق الذي كان مقدسا  و انه هو ما جعلهم يتجرؤون بخلاف فلاسفة الامم الاخرى على نقدهم بل و نقض كثير من نظرياتهم و نتائجهم التي كانت شبه مقدسة و مسلم بها كليا  و في ذلك يقول ابن تيمية احد اشهر الفلاسفة الرادين على الفلاسفة في كثير من كتبه ان هؤلاء الفلاسفة بما استفادوه من اللسان العربي المطور من الشرع بمعانيه و الفاظه قد تنقحت عقولهم و هذبوا وطوروا كثيرا من الانتاج اليوناني الطبيعي و انتقدوا عليهم كثيرا و ردوا عليهم كثيرا من الخطأ لما عايشوه من المناخ النقدي الحر الذي اقيم بناء على مبادئ الشريعة القطعية و  الذي يتربى فيه الفرد على ان لا يقبل الخضوع  لقول بشر كائنا من كان  الا الله و لا تقديسه الا ان كان اخبارا عن كلامه..على ان ابن تيمية هذا رحمه الله حين تحرروا من تركات الطائفية على الشريعة كما داود و الأشعري و الغزالي و غيرهما من كبار نظار الرادين على الفلاسفة كان اخر كلامهم انهم لا يكفرون احدا من المنتسبين الى القبلة فكلهم انما اراد ان يشير الى معبود واحد ..

و هو ما يقودنا للمفاجأة الخامسة ان هذا الجانب الفلسفي الذي كفره الفقهاء و سفهوه و منهم من الف للبرهنة على مخالفته للعلوم الطبيعية نفسها ...هذا الجانب نفسه لقي نفس رد الفعل من العالم الغربي حين اراد التحرر ..فكثيرون يتكلمون عن تحرر الغرب انطلاقا من تحرره من العقيدة الكنسية الطائفية -و ان دلسوه بأنه تحرر من الدين و تلك حدوثة اخرى - و ينسون او يخفون ان العامل الأهم لتحرر الغرب كان تحرره من الانتاج الفلسفي اليوناني الاغريقي الوسطوي الذي  لفظه قبله الفقهاء  وذموه..و الذي يجتهد الحداثيون اليوم في تلميعه و تلميع اصحابه و لا حاجة لنا لسرد انقضاضات الغربيين على هذا الانتاج الفلسفي فهي مشهورة عندهم لا عندنا للأسف..و يكفي ان نشير ان قفزات ديكارت و نيوتن و كانط و هيجل و حتى فلسفة اينشتين لم تقف اقدامها الا بالدوس على هذا الانتاج ..هذا في الجانب الفكري اما في الجانب الطبيعي البحث فحدث و لاحرج فاستقلال العلوم الطبيعية عن الفلسفة و عقوقها لمن تبنتها كأمها مشهور و طالما صرح فضلاء الطبيعيين قديما و حديثا انهم لم يرفعوا رأسا للفلسفة اليونانية في انجازاتهم بل و لا حتى لبعض فروعها من المنطق الرياضي النظري ..فنتساءل متى سيجرؤ الحداثيون عندنا على التحليق فوق اللادين بعد ان جرؤوا على التحليق على فوق الدين فلعلهم بعدها يتبين لهم من يحلق فوق من على قولة النسبيين...

و هو ما يقودنا الى المفاجأة الأخيرة ..ان هؤلاء الغربيين الآن انما حلقوا عاليا ليس فقط لتحليقهم فوق اللادين الفلسفي اليوناني ...بل لتحليقهم على ما لم نحلق فوقه نحن بعد من رجال الدين و الفلاسفة معا و اخذوا بما كان يصفه اوائل الرادين من المحدثين و الفقهاء على اوائل الفلاسفة الباحثين في الماورائيات و الغيبيات بما محصله : ان كل ذلك ما هو الا كلام في كلام..و ان لا علم لاحد بما وراء المادة الا خالقها..و ان لااحد و لا امة دخلت في الماورائي والغيبي و الجدال و الجدل فيه الا انحدرت و تنازعت و فشلت و ذهب ريحها..و ان الحل هو العلمانية التامة بفص الغيبي عن العملي و ترك الغيبي لله و ما لقيصر لقيصر و لا يوصف الا بما وصفه به من يعلمه وحده بلا شريك  و توجيه البحث العلمي فقط في ما تحته عمل و منفعة واقعية تظهر فيها المصالح و المفاسد الاجتماعية وضوحا يقلل النزاع و مخاطر الاقصاء و التعصب و الطائفية بالجهل و العصبية..و ان الأفضل ان تبحث في علم ان اخطأت فيه يقال لك فيه :أخطأت من ان تبحث في علم ان أخطأت فيه يقال لك فيه : كفرت...و لتفصيل هذه الحدوثة مواضع أخرى مليئة بالمفاجآت...  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق