الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

توتة توتة...فين باقي الحدوتة؟ (ست مفاجآت لباسم يوسف في مقاله عن الفلاسفة المسلمين)

افتتاحيات باسم فعلا من الذكاء بحيث لا تجارى في  ملاحظة اشياء قد لا يعيرها الكثير منا اهتماما...كلامه فعلا عن الحدوثات يلمسه كل واحد منا حتى في حلقات توم و جيري...يلمس فيها التعقيد في تداخل الخير و الشر و ان ادراكهما ليس بهذه البساطة فكثيرا ما يخرج الخير  من الشر و الليل من النهار و الحي من الميت...و لربما ان  ما يبعد التاريخ كما الحياة عن منطق الحدوثات هو قدرة الحياة كما المرأة الجذابة على المحافظة على خاصية المفاجأة و ان تأتيك بما لا تشتهيك سفنك و مفاجأة حتى اكبر من يدعى له الخبرة بالثرات كيوسف زيدان الذي خرج اليوم في برنامج اذاعي ليشد على ما ادعاه الغزالي من العصمة للمنطق بمنطق لفظه الناس حتى يتقدموا ...فمن يدري..ان كشفت التحقيقات التي يدعو اليها الحداثيون في التاريخ عن خلاف ما يشتهون هل سينقلبون عليها كما عودونا في الانتخابات...؟؟؟
منذ عشرين سنة تقريبا بدأت حدوثة خاملة..في اعماق الانترنت و مع بداياته, ..بدأت كحكايات علاء الدين والف ليلة و ليلة حين تحدثك عن متشردين في السجون يذهب بهم الزمن حتى يصبحوا امراء مشاهير ...في بدايات الانترنت بدأت حكايات المنتديات المتخصصة في الجدل  و الجدال و المناظرات بين الفرق الدينية و الايديولوجية , و تلتها بعدها ايام البالتوك المجيدة , كانت تسمى فضاءات افتراضية لبعدها عن المراقبة التي ملأت الفضاءات الواقعية , كانت أشبه بسراديب و دهاليز و مواخير تحت الأرض..جرت فيها حروب و مطاحنات ضارية , في البداية كانت تبدو كأنها فرصة لنشر ظواهر النقد و ثقافة الرأي الآخر بعيدا عن جو الاستبداد الموبوء فوق الأرض, لكن مع المدة بدا انها كانت تسير بطريقة معينة تمنع ان ينتج من جبال الحوارات و المناظرات انتاجا و تطورا فكريا , بل على العكس كانت تقصي اي مشاركات تنحو الى التوافق و تطوير المبادئ و النقد المتبادل و تشجع المشاركات الاقصائية و المليئة بالتصفيق و التطبيل او الشتم و زيادة الكراهية و النبز و الشيطنة و التعميم ..و تعتمد تكرار الموضوعات التي قتلت بحثا مرة و مرة و مرة و مرة على نفس الطريقة كما لو انها لم تناقش أبدا , حتى يكون النتيجة التي يخرج بها اي ملاحظ لهذه المجالات الرحبة انها لا تنتج الا احقادا و لا تراكم الا مزيدا من سوء الفهم و احادية النظرة حتى صارت هذه المجالات اضيق من  المجالات الواقعية..و كان السؤال الذي فرض نفسه على كل من غادر تلك الميادين متقززا : لأي هدف تصنع هذه الحدوثات و لمصلحة من تسير و متى ستخرج الى السطح؟؟؟؟
احد هذه المواضيع المقتولة بحثا في هذه المنتديات هو قضية الفلاسفة المسلمين  التي طالما تنازعها طرفان بين مكفر و مؤله...و لااشهر من كتابي تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت على شهرة هذه القضية و قدمها قدم الزمان حين كفر الفلاسفة فيلسوف فقيه و رد عليه و الههم فيلسوف فقيه ...لكن بما ان صاحب المقالة قرر ان يجعل هذا الموضوع يطفو على السطح لينتقل من التحليق فوق فهم مختلف فيه للدين الى بعض فهم للدين مجمع عليه... و بما ان صاحبنا يحب المفاجات فلا بأس أن نلخص الموضوع في مفاجآت معدودة :
أول المفاجآت : ليس مفاجئا كثيرا ان قلنا ان رجال الدين و الشريعة التي يتكلم عنها و عن اضطهادها للمفكرين و  المبدعين لم يكفروا قط هؤلاء العلماء على ابداعهم في الطب و الفلك و الهندسة و امثالها..وان ذهبنا نستعرض كلمات الفقهاء في مدحهم على هذا الجانب و حثهم على هذه العلوم فستكون اول حدوثة تكتب في مجلدات... و قد تذكر اسماء كبيرة من الفقهاء و المحدثين نبغت في هذه العلوم و لم تذكره الكتب الحديثة و لم تلمع اسمه كابن الشاطر مثلا الذي سرقت نماذجه التي حل بها اشكالات مركزية الشمس في كتابه تَعْلِيق الْأَوْتَاد من قبل كوبرنيكس ربما لأنه يرى فعلا ان البعد عن الله هو سبب التخلف ..لكن المقصود ان الفقهاء الأكثر تشددا و تطرفا لم يتعرضوا قط لمهاجمة هؤلاء الفلاسفة على هذه العلوم الصحيحة بالنسبة لهم بل حثوا عليها و ما زال كبارهم و اذكياءهم يتدارسونهاو يتذاكرونها  في المساجد نفسها , وهو ما لمسه صاحبنا بذكائه و تحسب لان يكشف احد ما تدليسه الذي يريد ان يشابه فيه مسيرة النصرانية بمسيرة الاسلام في تعارضها مع العلم... فمثل بابن سينا الطبيب بدل ابن رشد..مع ان ابن رشد على الحقيقة اقرب للاسلام كما يفهمه هؤلاء الفقهاء من ابن سينا بمراحل كثيرة , ما يدل على انه  في دعوته غيره لاستكشاف التاريخ قبل اصدار الأحكام لا يعرف من سير الفلاسفة المسلمين بله فقهاءهم اكثر مما علمه اياه المؤرخ العلامة يوسف شاهين..

المفاجأة الثانية : ان قضية التكفير للفكر العام لم تبدأ في الجماعة/المجتمع المدني المسلم بطريقة منهجية الا بعد ان قام وارثوا علوم الفلاسفة اليونانيين من المعتزلة برفع سيف التكفير ضد خصومهم من الفقهاء و المحدثين...و نقضوا التعايش السلمي الذي كان يعيشه المسلمون قبل فتنة خلق القرآن الفتنة الكبرى الثانية حتى ان فلاسفة و علماء طبيعييين كخالد بن يزيد و بني موسى و حتى الكندي بل و حتى نصارى و صابئة و مجوس كانوا يتعايشون بسلام و يؤلفون الكتب في آرائهم و يناظرون و يتراسلون ما داموا لا يسعون فرض ما يرونه على ما تراه الجماعة او المجتمع الاسلامي كله باجماع او ما نعبر عنه بالثوابت و يكتفون بالتدافع و كانت حالات الاضطهاد غالبا ما تكون معزولة و مرتبطة اصلا بصراعات سياسية كحالة الجعد بن درهم و حالة ابن المقفع و امثالهما ...لكن لم تكن قط ثقافة شعبية مرتبطة بالقانون بين العوام الذين كان يجمعهم حكم الشريعة و ثوابتها بدليل ان كثيرا من المتطرفين من الجانبين كانوا يستعدون العوام و الملوك على قتل خصومهم و هدر دمهم و لا يستجيبون لهم ...حتى اتت الفلسفة اليونانية المقنعة بعلوم المعتزلة و استخدموا سلاح الدولة كما يستخدم العلمانيون الآن سلاح الدولة لفرض الفكر العلماني الغربي كله بقوة العسكر في دستورا بالباراشوت العسكري بعد ان عجزوا عن المغالبة سلميا...فتركت المعتزلة التدافع السلمي في حلقات المناظرات التي هزمت فيها على مدى عقود منذ بدأها زعيمهم في العهد الأموي في حلقة الحسن البصري..و استغوت رأس الدولة و فرض رأي طائفة واحدة على الجميع و يا ليت لو كان هذا رأيا من داخل الجماعة بل حاولوا فرض نظريات يونانية خارجية عنها اجماعهم على خلافها...و كفروا و استحلوا دم  كل من خالف نتائجهم المبنية على المنطق اليوناني..على مدى عشرين عاما قامت فيها محاكم التفتيش سجنا و تنكيلا و قتلا للمحدثين و كبتا للمظاهرات التي ساندتهم لكونهم كانوا الاكثر شعبية تماما كما يحدث اليوم في محاكم التفتيش المكارثية ضد الاسلاميين ...و الحقيقة يجب الاعتراف هنا ان كسر التعايش السلمي دائما ما ينتج رد فعل مضاد...فانتقلت لوثة التكفير و الاقصاء الى الجانب المضطهد بعد ان استرد السلطة..و تفاقمت هذه التفاعلات الطبيعية للاقصاء و الأحقاد باسم العلم و الحق و العدل و الحرية في الجماعة المسلمة بعدها ففرقتها اشلاء و فرقا و احزابا يتقسم فيها المقسم و كل طائفة تكفر اختها و كل طائفة ترجو افناء و اقصاء اختها كمااتفق على التكلم عن الحال بمرارة كل من الغزالي و ابن رشد على خلافهما الشديد و الله المسؤول ان لا يكون هذا ما ينتظر الجماعة المصرية فبوادره بدأت تبدو واضحة للعيان

و به تتضح المفاجأة الثالثة : أن بسبب هذا الجو الموبوء الذي بدأته المعتزلة و الذي حاولت شرح سياقه  سابقا في مقالة "
"...و ما انتجه من سجون طائفية عقلية فكرية قد تسبب  في قمع الجميع و ضرب الجميع ببعض من قبل الاستبداد التنفيذي تماما كما يقع الآن في مصر و هو ايضا احد النتائج الطبيعية لتكسير و نقض عملية التدافع السلمي داخل الجماعة , و دليل ذلك هو المفاجأة ان الفقهاء و المحدثين تعرضوا لاضطهاد و قمع و تقتيل و تشريد و تحريق الكتب اكبر مما تعرض له الفلاسفة في كافة العصور , حتى حير كثيرا من المطلعين الموسوعيين كالشيخ عبد الحي الكتاني و الف فيه كتابا يستغرب فيه لماذا لايكاد يسلم امام فقيه اومحدث من محنة القمع و الحبس و التشريد...فبعد عهد الصحابة و الفتنة الأولى الكبرى التي زرعت بذرة الاستبداد الأولى في الدولة الأموية كرد فعل على استبداد الخوارج نذكر نماذج بارزة من اللائحة 
بسعيد بن جبير قتل لرفضه مظالم الحجاج 
 و سعيد بن المسيب جلد و اقامة جبرية لرفضه مظالم بني امية
 ثم ابي حنيفة جلد وحبس لرفضه مظالم العباسيين
مالك  جلد لنقده بيعة بني العباس
احمد جلد و حبس عشرين سنة لرفضه فرض ايديولجية الفلسفة اليونانية بالقوة
البويطي مات في السجن و حوكم بعده مئات العلماء لنفس السبب
البخاري عاش منبوذا مطلوبا من سلطات مدينته لظنهم مخالفة الامام احمد وهنا بدأ الاستبداد المضاد
الطبري عاش مطاردا تحت تهديد القتل بعد ان جاهر بخلاف الامام احمد
ابن حبان حبس و افتوا بقتله لقوله ان النبوة كسب
ابن حزم حوصر و حبس و نفي و حرقت كتبه لنبذه التقليد في الاجتهاد القانوني بتحريض من الباجي
الباجي حوصر هو أيضا و حوكم لقوله ان النبي صلى الله عليه و سلم تعلم الكتابة قبل مماته 
الغزالي كفر و حوصر و افتي بقتله لخروجه من اقوال كافة الطوائف الكلامية
المقدسي حوكم و حبس و كاد ان يقتل لنقده لمعتقد الأشاعرة
ابن تيمية حوكم و حبس و افتي بقتله لدعوته لنزع القداسة عن الانتاج الانساني المرتبط بالشريعة
الطوفي طورد و حوكم لتسخيفه جميع الطوائف  و رفع شعار المصلحة في القانون
الشوكاني حوصر و حوكم و عاش منبوذا لقوله بجواز الاجتهاد المطلق و هذا غيض من فيض..
قد يقول قائل هذا ادل دليل على ان الشريعة هي سبب كل هذا..فنقول و نذكر ان الشريعة التي كانت حاكمة بيضاء نقية هي في القرون الأولى قبل الفتن الكبرى وخاصة فتنة الفلاسفة اليونانيين المعتزلة و هم اول من جعل القمع و الاستبداد الفكري ممنهجا و منهم تسلسلت مفاهيم الولاء و البراء في التكفير و التبديع و التفسيق و الحكم على الآخر المعتمدة اساسا على العقلية الأرسطية الوسطية المطلقة في التصور و التصديق و منهم تسللت الى كافة الفرق الاسلامية حتى لا تجد كتابا الا و اصابته شظاياها..و لتفصيلها مواضع..و الا فقبل هذه الفتنة تجد التعايش و التدافع السلمي  و الحرية  تزيد كلما صعدت نحو القرون الأولى وهو ما اقر به كثير من الملحدين الدارسين لهذه الحقب..  و كلما هبطت الا و وجدت تسلل فيروسات الاستبداد و التعصب و الجهل الى هذه الشريعة حتى وصلت الى الحالة الرديئة التي عليها اليوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة فأولها الحكم و آخرها الصلاة..

و هو ما يقودنا الى المفاجأة الرابعة : ان هذا التفاعل و التناسل " الجيني " لعناصر الاستبداد اليوناني ادى في نهاية حلقاته في القرون الأخيرة للحضارة الاسلامية الى التبني التام لانتاج هؤلاء الفلاسفة الذين يتباكى عليهم هؤلاء الحداثيون...نعم...كما قٍرأته فعلا..فعامة الكتب المؤلفة في القرون الأخيرة قرون الانحطاط من الفقه مرورا باصول الدين الى التفسير الى علوم الزهد و التصوف الى اللغة و التاريخ بل و الحديث و فقهه تبنت مرجعية هؤلاء الفلاسفة  و نظريتهم في وحدة الوجود التي تتبعها المفكر العبقري عبد الوهاب المسيري ..و جعلوها اساسها التفسيري و اصبحت ترى اسماء ابن سينا و ابن سبعين و التلمساني و ابن عربي و ابن رشد و الفارابي و الطوسي و ابن حمويه و السهروردي و الرومي و غيرهم من اساطين   الفلاسفة المشائين تذكر جنبا الى جنب مع اسماء امثال الشافعي و مالك و احمد كمرجعية...لا بل ما هو اكبر...جعلت المرجعية الفلسفية الغنوصية لهؤلاء الفلاسفة اعلى و اكثر مصداقية من مرجعية الفقهاء...فجعلوا الانتاج الفلسفي ممثلا للحقيقة التي هي اعلى عندهم و اكثر وصولا لحقيقة الوجود و مصالحه من الشريعة التي هي انتاج الفقهاء و  التي بحسبهم تعبر فقط عن المظاهر التي يغتر بها العوام..حتى ابتعد الوعي الجماعي تماما عن معايشة واقعه و دخل في التحشش الفكري و غرق الى اذنه في مستنقعات الفلسفة الغييبية الذهنية بكل ما تورثه من اللاوعي الجماعي المغيب للقيم و الأخلاق الجماعية المنظمة للسلوكيات بمعايير المضالح و المفاسد الواقعية...فان كانت فعلا هناك  ثقافة يجب محاكمتها عن الوضع البائس الذي وصلنا اليه فيجب مسائلة الثقافة الفلسفية اليونانية لا الثقافة الشرعية لأنها كانت المهيمنة و ست البيت في القرون الأخيرة... حتى غدا القول بنظرية الكوسموس و نظرية الأفلاك السبعة و قدمها و نظرية العقول الفعالة العشرة و النفوس التسعة و انها هي المسيرة للعالم  و المدبرة له و المنظمة لحوادثه في الأفلاك الخارجية الى غيرها من خرافات الفلاسفة ...هو قول المحققين الراسخين المبدعين في العلوم العقلية و النقلية معا...و يحلى صاحبه بمثل الألقاب التي يحلى بها اهل نوبل اليوم...مش مصدقني ارجع و اكتشف التاريخ ...

و تنبني عليها مفاجئتين زغنينين ...اولهما : ان هؤلاء الفلاسفة و الفقهاء انفسهم يقرون بان هذه الشريعة الاسلامية هي احكم الشرائع مع اطلاعهم على اصل النظام العلماني و القانون الوضعي في اصوله اليونانية و الرومانية و الهيلينية و المسيحية  في الكتب التي ترجموها ...و كلمات ابن سينا و ابن رشد و ابن عربي و ابي بركات و الفارابي في تعظيم شريعة الاسلام و الاعتراف بأنها اكثر الشرائع شمولا للمصالح الكلية التي تعطي التوازن الاجماعي للقوانين  و تعطيه التبرير الغيبي المقنع للقيم الكونية للحرية و العدالة و التي لا  مناص منها لكي يكتسب القانون و الشريعة اي شريعة صفة  الالزام عند الناس و تستقيم عليه حياتهم و التي حار اكابر فلاسفة القانون من ارسطو حتى ديكارت و جون لوك في اقامة القواعد الغيبية للقانون دونها و كثير منهم اعترف انه ان امكن التوصل بيقين الى وحي خارج هذا الكون فسيكون هو القاعدة الأمثل لبناء القوانين عليها

و ثاني المفاجات الزغننة:  ان اشكالية نبوغ هؤلاء الفلاسفة في العلوم الطبيعية العملية مع ما تلبسوا به من الكفر ليست وليدة اللحظة بل تكلم عنها منذ قرون و كثير من الخبراء باحوال هؤلاء الفلاسفة سواء من الموافقين لهم او المخالفين لهم أقروا بأن الحضارة الاسلامية القائمة اساسا على الدين الاسلامي و تفوقه و هيمنته بحسب تعبير عبد الوهاب المسيري هو ما جعل انتاج هؤلاء الفلاسفة يخرج من ربقة التقليد للانتاج  العلمي اليوناني السابق الذي كان مقدسا  و انه هو ما جعلهم يتجرؤون بخلاف فلاسفة الامم الاخرى على نقدهم بل و نقض كثير من نظرياتهم و نتائجهم التي كانت شبه مقدسة و مسلم بها كليا  و في ذلك يقول ابن تيمية احد اشهر الفلاسفة الرادين على الفلاسفة في كثير من كتبه ان هؤلاء الفلاسفة بما استفادوه من اللسان العربي المطور من الشرع بمعانيه و الفاظه قد تنقحت عقولهم و هذبوا وطوروا كثيرا من الانتاج اليوناني الطبيعي و انتقدوا عليهم كثيرا و ردوا عليهم كثيرا من الخطأ لما عايشوه من المناخ النقدي الحر الذي اقيم بناء على مبادئ الشريعة القطعية و  الذي يتربى فيه الفرد على ان لا يقبل الخضوع  لقول بشر كائنا من كان  الا الله و لا تقديسه الا ان كان اخبارا عن كلامه..على ان ابن تيمية هذا رحمه الله حين تحرروا من تركات الطائفية على الشريعة كما داود و الأشعري و الغزالي و غيرهما من كبار نظار الرادين على الفلاسفة كان اخر كلامهم انهم لا يكفرون احدا من المنتسبين الى القبلة فكلهم انما اراد ان يشير الى معبود واحد ..

و هو ما يقودنا للمفاجأة الخامسة ان هذا الجانب الفلسفي الذي كفره الفقهاء و سفهوه و منهم من الف للبرهنة على مخالفته للعلوم الطبيعية نفسها ...هذا الجانب نفسه لقي نفس رد الفعل من العالم الغربي حين اراد التحرر ..فكثيرون يتكلمون عن تحرر الغرب انطلاقا من تحرره من العقيدة الكنسية الطائفية -و ان دلسوه بأنه تحرر من الدين و تلك حدوثة اخرى - و ينسون او يخفون ان العامل الأهم لتحرر الغرب كان تحرره من الانتاج الفلسفي اليوناني الاغريقي الوسطوي الذي  لفظه قبله الفقهاء  وذموه..و الذي يجتهد الحداثيون اليوم في تلميعه و تلميع اصحابه و لا حاجة لنا لسرد انقضاضات الغربيين على هذا الانتاج الفلسفي فهي مشهورة عندهم لا عندنا للأسف..و يكفي ان نشير ان قفزات ديكارت و نيوتن و كانط و هيجل و حتى فلسفة اينشتين لم تقف اقدامها الا بالدوس على هذا الانتاج ..هذا في الجانب الفكري اما في الجانب الطبيعي البحث فحدث و لاحرج فاستقلال العلوم الطبيعية عن الفلسفة و عقوقها لمن تبنتها كأمها مشهور و طالما صرح فضلاء الطبيعيين قديما و حديثا انهم لم يرفعوا رأسا للفلسفة اليونانية في انجازاتهم بل و لا حتى لبعض فروعها من المنطق الرياضي النظري ..فنتساءل متى سيجرؤ الحداثيون عندنا على التحليق فوق اللادين بعد ان جرؤوا على التحليق على فوق الدين فلعلهم بعدها يتبين لهم من يحلق فوق من على قولة النسبيين...

و هو ما يقودنا الى المفاجأة الأخيرة ..ان هؤلاء الغربيين الآن انما حلقوا عاليا ليس فقط لتحليقهم فوق اللادين الفلسفي اليوناني ...بل لتحليقهم على ما لم نحلق فوقه نحن بعد من رجال الدين و الفلاسفة معا و اخذوا بما كان يصفه اوائل الرادين من المحدثين و الفقهاء على اوائل الفلاسفة الباحثين في الماورائيات و الغيبيات بما محصله : ان كل ذلك ما هو الا كلام في كلام..و ان لا علم لاحد بما وراء المادة الا خالقها..و ان لااحد و لا امة دخلت في الماورائي والغيبي و الجدال و الجدل فيه الا انحدرت و تنازعت و فشلت و ذهب ريحها..و ان الحل هو العلمانية التامة بفص الغيبي عن العملي و ترك الغيبي لله و ما لقيصر لقيصر و لا يوصف الا بما وصفه به من يعلمه وحده بلا شريك  و توجيه البحث العلمي فقط في ما تحته عمل و منفعة واقعية تظهر فيها المصالح و المفاسد الاجتماعية وضوحا يقلل النزاع و مخاطر الاقصاء و التعصب و الطائفية بالجهل و العصبية..و ان الأفضل ان تبحث في علم ان اخطأت فيه يقال لك فيه :أخطأت من ان تبحث في علم ان أخطأت فيه يقال لك فيه : كفرت...و لتفصيل هذه الحدوثة مواضع أخرى مليئة بالمفاجآت...  

السبت، 28 سبتمبر 2013

جواب شيخ الاسلام الاسماعيلي على شبهة محاولة النبي صلى الله عليه وسلم الانتحار

قال الإسماعيلي: موه بعض الطاعنين على المحدثين فقال كيف يجوز للنبي أن يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه، وحتى يوفى بذروة جبل ليلقي منها نفسه على ما جاء في رواية معمر؟ قال: ولئن جاز أن يرتاب مع معاينة النازل عليه من ربه فكيف ينكر على من ارتاب فيما جاءه به مع عدم المعاينة؟

قال: والجواب أن عادة الله جرت بأن الأمر الجليل إذا قضى بإيصاله إلى الخلق أن يقدمه ترشيح وتأسيس، فكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما فجئه الملك فجئة بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشرى منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه حتى إذا تدرج عليه وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى أهله التي ألف تأنيسها له فأعلمها بما وقع له فهونت عليه خشيته بما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة، فلما سمع كلامه أيقن بالحق واعترف به، ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي ليتدرج فيه ويمرن عليه، فشق عليه فتوره إذ لم يكن خوطب عن الله بعد أنك رسول من الله ومبعوث إلى عباده، فأشفق أن يكون ذلك أمر بدئ به ثم لم يرد استفهامه فحزن لذلك، حتى تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح الله له من أمره بما فتح قال: ومثال ما وقع له في أول ما خوطب ولم يتحقق الحال على جليتها مثل رجل سمع آخر يقول: "الحمد لله " فلم يتحقق أنه يقرأ حتى إذا وصلها بما بعدها من الآيات تحقق أنه يقرأ، وكذا لو سمع قائلا يقول: "خلت الديار" لم يتحقق أنه ينشد شعرا حتى يقول: "محلها ومقامها" انتهى ملخصا. 


ثم أشار إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه، وطريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله، قال: وأما إرادته إلقاء نفسه من رءوس الجبال بعدما نبئ فلضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوة، وخوفا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعا، كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلا، حتى إذا تفكر فيما فيه صبره على ذلك من العقبى المحمودة صبر واستقرت نفسه. قلت: أما الإرادة المذكورة في الزيادة الأولى ففي صريح الخبر أنها كانت حزنا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وأما الإرادة الثانية، بعد أن تبدى له جبريل وقال له إنك رسول الله حقا فيحتمل ما قاله، والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله، وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجيء جبريل، ويمكن أن يؤخذ مما أخرجه الطبري من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب فذكر نحو حديث الباب وفيه: "فقال لي يا محمد أنت رسول الله حقا قال فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل " أي من علوه."

انتهى كلام الامام الاسماعيلي و هو جواب جامع اورده الحافظ ابن حجر في شرحه بعد ايراد كلام لعلماء في اعتبار زيادة البلاغ  بان النبي صلى الله عليه و سلم كان يريد الانتحار من هول صدمة الوحي  من كلام الزهري و انه قال بلغنا للدلالة على انه لا يرويها بنفس اسناد الحديث و ان البخاري يرى ضعفها و لم يوردها الا لبيان ضعفها و لهذا اوردها تعليقا و هو قول له حظه من النظر...و ان كان الرأي ان الامام البخاري و ان كان أعلم الناس بالعلل و بما في مراسيل الزهري و بلاغات الواقدي و عنعنات ابن اسحاق و أمثالهم الا أنه كان من أفضل الخبراء ممن يحسن أن يفرق بين مناهج اهل السير و المغازي و بين مناهج المحدثين المتشددة , و ما أورده تعليقا الا لان كتابه أصلا مخصص لأحاديث الأحكام العلمية و العملية الكبرى و اصول الاسلام فلا يصح دخول هذا الخبر في صلب كتابه اذ لا يستنبط منه أصل من الأصول و لا هو على شرطه الشديد فيها , و ان كان لاينفي ان يكون للخبر صحة عند البخاري في غير شرطه كما هو معروف من سيرته في التعاليق كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده التي قامت عليها حروب طاحنة بين المحدثين في اتصالها و تحديد موقف البخاري منها و خلافهم في اشتراطه ثبوت السماع و لهذا ربما كان الاقتصاد في استيعاب البخاري للصحيح ربما قول من قال من خبراء الحديث ان كل حديث ينشئ اصلا من الأصول و لم يورده البخاري الا و له علة قادحة تمنع من الاحتجاج به و ان كان يرى صحته خارج الصحيح على غير نهج المحدثين اذ رأيه من رأي الامام احمد و غيره من كبار المختصين و الله أعلم أن نهج المحدثين انما يربط بالاصول العملية و العلمية الكبرى للاسلام المحددة للمصالح و المفاسد المنظمة للحلال و الحرام و الشاملة نفعها و دفعها تكرارا يوميا لأغلب المسلمين ...اما غيرها من الحوادث و الأخبار و الفتن والملاحم و التفسير و المغازي فلا ...لكون الحاجة اليها اقل و خطرها اقل و بالتالي منطقيا بديهي ان لا تأتي في العملية الطبيعية للنقل بنفس القوة و لا ان تكون لها دعامات و اصول نقلية قوية كالأولى - و هذا مما بين الشيخ الكوثري رحمه الله جنايات بعض المحدثين الشافعية من المتكلمين المتأخرين على نهج الحنفية فيه مع أنه من صلب نهج المحدثين الأوائل- و هذا المهيع هو من الأصول العقلانية المهمة لعلم المصطلح الحديثي القديم و من اصول علم العلل عندهم المبين لعظمة فقههم في المواءمة بين علوم العقل و النقل و تكوين نظرية المعرفة في المرويات الشفهية,و بمثله يستضاء في هذا الحديث الذي يسلم فعلا ان البخاري لا يرى صحته على الموجه المرضي في ابواب الأصول و الحلال و الحرام و لكن لا ينفي اعتقاده لنوع صحة اصله بل و الاحتجاج به في غير الحلال و الحرام و اصول الاسلام , و الا فايراده من البخاري على ما عرف من سيرته اشارة منه الا وجود أصل له بل و الاحتجاج بنوع من العلم فيه اذ و ان كانت مراسيل الزهري و بلاغاتها من اضعفها الا انه من قواعد المحدثين ايضا اعتبار اعتناء رواية الراوي لما يرويه و تخصصه فيه خاصة ان كان فقيها مبرزا لما يرويه و هذا الحديث مداره على الزهري و عامة تفاصيله منه ممايدل على اعتنائه به فلا يبعد ان يكون ما رواه بلاغا واقعا له من طريق صحيحة خاصة ان توبع فيدل على انه اصلا صحيحا و ان كان الزهري يتعمد عدم التصريح عن بعض مصادره حتى لا يؤثر على سمعة بحثه العلمي كله بما فيه ما صح منه و يضعفه و هي خاصية معروفة فيمن يتعاطى البحوث العلمية يجد لها اشفاقا من ادنى نقد او ادنى عيب  و يلجأ الى تعمية بعض مصادره في بحثه العلمي المكملة له اشفاقا على البحث ككل كاشفاق الأب على بناته و لهذا لم يرحم المحدثين الزهري من سيف نقدهم على جلالته فيهم و منزلته التي تضاهي منزلة نيوتن عند الفيزيائيين...لكن البخاري يبدو لي انه اخذ بعين الاعتبار و المتابعة و اختصاص الزهري بالحديث لتقويته في الدلالة على مقصود بابه في الترجمة من ربط الرؤيا و التعبير بنظرية المعرفة في الباب الأول من بدء الوحي و ان كان هو نفسه يسلم ان الزيادة لا تبلغ مبلغ الاحتجاج الذي بلغها الحديث الصحيح لكن يبدو ان في نظر البخاري تبقى الزيادة فيها نوع حجة يقوي حقها المقطوع به على باطلها المحتمل , و هذا في نظري هو الصواب اذ هذا الحديث حجة على اهل الكفر و الالحاد من حيث ظنوا انه حجة لهم , فما في الخبر هو أدل دليل على واقعية هذه الملحمة النبوية , و على واقعية علوم النقل عند المسلمين , اذ كما اورد الامام المتقن الاسماعيلي -و هو من القلة التي جمعت الجلالة في الفقه و الحديث مما قد نعلمه بأكبر قدر لو وقفنا على كتابه النفيس مستخرج صحيح البخاري المفقود الى اليوم- بفهمه القوي الذي عرف عن أهل جرجان من محدثين وفقهاء و لغويين , و كلامه هنا انما كان يدور حول تبسيط مراد البخاري من ايراده في التعليق لما عرف عن شيخ الاسلام الاسماعيلي من تحريه لفقه الامام البخاري و طريقته في الاجتهاد حتى عابه البعض لذلك, و خلاصة طريقته في هذا الحديث ضرب عصافير عدة بحجر واحد :
اولها تحقيق معنى العصمة و ان لا عاصم لأحد و لا عصمة الا لله و لا يخلو احد من النقص و الفقر البشري حتى الأنبياء أنفسهم الذين لا يبلغ أحد مبلغهم من الكمال ... فيسد الباب تماما على عباد البشر من الملحدين الذي يعرضون عن العبادة عن الله و اعتقاد الكمال فيه فما يلبثون ضرورة حتى يعتقدون وعيا او لا وعيا بكمال غيره ممن هو ادنى منه من البشر مفكرين او دولا او انظمة او فكرا او حجرا او كواكبا او ظواهر طبيعية او حتى انانية معتقدة لكمالها ....
ثانيها :تحقيق قول الله سبحانه ان براهينه و ادلته هي كما انها سكينة و شفاء لصدور المؤمنين فانها فتنة و مضلة للكافرين الملحدين الذين استبطنوا في انفسهم رغبة اعلان موت الاله فما من دليل واضح الا و كان فتنة لهم تزيدهم في عمايتهم لعبادة انفسهم و اتخاذ بعضهم بعضا اربابا من دون الله , بينما من آمن بضعف نفسه و صدق في البحث عن اخضاع نفسه و تزكيته بذلك الخضوع لتحقيق حريتها من كل نفس مغرورة ظالمة جاهلة مثلها فانه يرزق من حيث لا يدري فهما يرى في مثل هذه البراهين و الحجج حجة تجعله فوق الملحد بها و اقوى منه لكون اكثر تحررا من عمايات نفسه منه مادام متنبها الى مكمن الداء من نفسه و ملزما لها بالخضوع و ملتزما بكسرها كلما افلتت منه و اغترت , فما ان يرى كيف ان النبي صلى الله عليه و سلم الأقرب الى العيان و كيف تغلب على طبع نفسه باليقين و الصبر و كيف فعلها يوسف عليه السلام و غلبها بالصبر و اليقين و كيف غلبها ابراهيم عليه السلام و داوود اذ أناب , و انهم لم يسلموا من هذه النوازع البشرية الخفية المظلمة و تطهروا تطهيرا...الا و تعلم ان لا يقنط من الأمل في تجاوز نفسه و لا يامن لشرورها...اذ لا ييأس من روح الله و لا يامن مكره الا القوم الملحدون الكافرون الذين قلنا ان مثل هذه الأدلة تنزل على رؤوسهم فتنة و مكرا و استدراجا الا من صدق منهم و قليل ما هم..
ثالتها : الدلالة على المنهج النبوي في العلم اذ الحديث اورده في اصول نظرية المعرفة في الاسلام و بيانها و كيف ان العلاقة بين العقل و النقل و الوحي و الرأي تبتدئ دائما باشكالية الشك و انها ليس فقط علاقة عقلية برهانية كما يقول غلاة الوضعيين المغترين بما اوتوا من العلم قديما و حديثا و انما هي كما يقول اهل الابستمولوجيا الحديثة بعد صراع كبير بين التجريبيين و البرهانيين و الداروينيين و المثاليين و الاجتماعيين ان "أن الحياة هي كلها تجربة عملية تفاعليه لاكتساب المعرفة تدخل فيها القدرات المعرفية الانسانية كلها" كما يقول فلاسفة العلوم و السلوك المتأخرين ككارل بوبر و كونراد لورنتس..لهذا كان الامام البخاري هنا دقيقا و يبدو لي انه كان يرد هنا على السجالات المشهورة بين الوضعيين من المعتزلة و سلفهم من الجبرية الطبيعيين من الجهمية الذين كانوا يجعلون للعقل فقط العصمة و يجعلون اليقين العقلي المرجعية المطلقة العاصمة من الزلل و يجعلون الشك او النظر الواجب الاول بينما هنا الامام البخاري يرد من سيرة النبي صلى الله عليه و سلم في اول تجربة للمعرفة التي سيؤسسها الاسلام ان نفس المعاينة الحواسية التي تؤسس للمرجعية العقلية و منها يستقي العقل مادته اليقينية هي ايضا معرضة لغول الشك و النقض و ان هذه النظرة هي مثالية تنقص من حرية الفكر الحقيقية التي ينشدها الاسلام بجعل شيء ناقص كما لو انه كامل و مرجعية تامة و بالتالي تأليهه تأليها خفيا و لهذا ما تم للنبي صلى الله عليه و سلم و لغيره من الأنبياء تجاوز هذه الاشكالية الا باخضاع جميع قدراتهم المعرفية اخضاعا يعترف بنقصها كلها بما فيها العقل او الحدس او الكشف او ما كان مخلوقا ظاهرا و باطنا-وعيا او لا وعيا بتعبيرنا الحديث- لمن هو اعلى منها و لهذا كان اول واجب عندهم هو هذا الخضوع الضامن للحرية و كان اول واجب هو شهادة لا اله الا الله التي ثبت تواترا لا يغفل عنه مثل هذا الامام الألمعي البخاري انها فقط ما كان يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من كل من أراد دخول الاسلام كونها الشعار الأول للتحرر من اي مرجعية بشرية يمكن ان تستعبد و تستغل الفكر الفردي و الجماعي....
رابعها : دلالة الامام البخاري (ذلك ان كتاب العلم عنده مسبوق بكتاب بدء الوحي و كتاب الايمان الذين هما اول كتابين في الصحيح اشارة الى أنهما المرحلتين التأسيسيتن لنظرية المعرفة الاسلامية..مرحلة الاتصال و مرحلة الخضوع و الايمان الذي يجمع معنى الامانة و الصدق في طلب الدليل و الوسطية توازنا بين النقل و العقل و الغيب و المادة او الشاهد و لكونها من اصول الاسلام لم يورد فيها هذ الحديث الخداج و أجله الى باب التعبير و ربطه بنفس الحديث المذكور في المرحلة حتى لا يفهم انه يخرج من مرحلة الاستئناس الى مرحلة الاحتجاج و مجرد الاشارة الى ان كل من تعمقوا في نظرية المعرفة و ادبياتها و مسرحياتها و اطروحاتها السيكولوجية قديما و حديثا الا و كان اساسهم في نقض الثقة المطلقة بالعقل او الحدس هو ضرب مثال الأحلام و النوم و معلوم ان الصحيح رتب ليدل على هرم الثقافة الاسلامية في جميع مناحيها ترتيبا عبقريا على حسب ما فقهه البخاري من أهميتها مما ورثه عن كبار ادمغة العلم ممن سبقه و ستجد هذا النفس العميق في البناء على هذا الأساس الوجودي ملغزا و مشفرا في كل تراجم ابواب الصحيح يظهر مرة و يخفو مرة أخرى و هي تراجم عبقرية صيغت في اغلب ظني محاكاة على الترتيب الوقفي للسور القرآنية بشكل جامع لنظرة و فلسفة البخاري العلمية و الاجتماعية و القانونية بشكل دافنشي ما زلنا نفك ألغازه لليوم) على اثر هذه البدايات في نظرية المعرفة التي عايشها و اختبرها النبي صلى الله عليه و سلم اثرها في تأسيس النظرية المعرفية التي ستدير و تؤثر على جميع العلوم الاسلامية فيما بعد حتى تخترقها فيروسات العلوم اليونانية و الفارسية و الهندية و الهيلينية و الحرانية و التي سيسري فيها داء الأمم من قبلنا مع تمادي الأمد و طوله و تتجمع كفيروسات سرطانية تنمو مع بحبوحة الدنيا و استئناس خضراء الدمن و حب الدنيا و كراهية الموت و التنافس على الأبهات و المظاهر الى ان تتشكل و تؤسس طواغيت فكرية و علمية و عملية من داخل هذه العلوم التي اتتنا بيضاء نقية جامعة لجوامع الكلم الطيب المؤسس للصحيح الفطري لكافة المجالات ...حتى ستعيد هذه العلوم مرة أخرى نسخة منقحة مزيدة من العلوم القديمة علوم الأوائل الجامدة القليلة الحرية و الكثيرة التقليد و الجدل و الجدال و قلة الابتكار و النفع..و التي يحاول بعثها اليوم غلاة المتكلمين و غلاة دعاة المرجئة من دعاة الطاعة السياسية المطلقة او غلاة الخوارج من مدعي الجهاد بدو قانون و لا ضوابط جماعية و غلاة المقلدة و الصوفية و الرافضة من الداعين للعصمة لاناس اقل قدرا منهم في الغالب و و غلاة الحداثيين و الفلاسفة من دعوتنا الى استبدال اصنام فكرية محلية باخرى مستوردة و الكل لتطبيق الحل الذي يراه هو فقط او جماعته دون الصبر و اليقين بأن الحل سيخرج واقعا من الجميع مصيره يكون غالبا في طرح الحل باعادتنا الى طاغوت من هذه الطواغيت و محاولة تأسيسها او تمتينها او المد من اجل صلاحيتها في الوعي المسلم المعاصر و بالتالي تمديد امد امراض و سرطانات الديكتاتورية و الاستبداد فيه التي تجد اثرها من المعاملات اليومية بين الأسرة الواحدة و حتى اعلى المعاملات بين الأحزاب و الفرق و الحكام و الدول....
خامسها : الدلالة على كون كل ذلك من عند الله اذ لو كان محمد مدعيا لكان في نفسه ممن يخفي ذلك فالعادة انه ان كان هذا الرجل قد اخترع الوحي من عند نفسه لحرص على ان يظهر مظهر الواثق و لا شيء يدعوه للشك او ان يظهر بمظهر الضعيف الحائر الضال و ان يحدث الناس ان الله وجده ضالا فهدى ووجده عائلا فأغنى ...بل من يدعو الى نفسه و يسعى للمجد الى نفسه فانه عادة ما يحرص على ان يظهر بمظهر الواثق بما يقول حتى يتسنى له التلاعب بالعقول كيفما يشاء و هذا المعروف من سير الطغاة و الظلمة و هو الذي جعل من لا يعترف بنبوته ان يعترف بهذا الاشكال اذ سيرة الأنبياء لا تدل على انها نفس سيرة غيرهم من الظلمة و الظغاة الديكتاتوريين الذين لو كان محمد فعلا راعيا يتيما اراد المجد فصنع كل هذا لأخفى هذا كما قالت عائشة و ما كان ليتحدث به و لا ان يظهر بهذا المظهر البشري و يقول للناس انه مثلهم و لا سلطة له عليهم و لا انه عليهم بمسيطر و له مثلهم لا يعلم ما سيفعل به و لا بهم و انه لا حكم له عليهم و انه ليس الا مبلغا عليه البلاغ فقط فما لم يكن من البلاغ فيمكنهم نقده مثل اي واحد منهم و يمكنهم ان يردوا عليه خطأه و انهم اعلم منه في امور دنياهم ما لم يات بلاغ فيها ممن له الحكم على الكل و لا حكم الا له...فهذا الحديث و امثاله و الآيات التي تكلمت عن الضعف البشري في الأنبياء هي من البينات على ان الأنبياء صادقون في دعواهم و انهم لم يريدوا الا الاصلاح ما استطاعوا 
سادسها : أن النبي صلى الله عليه و سلم على خطى الأنبياء قبله كان علميا بالدرجة الأولى..نعم..بهذا المعنى الاصطلاحي الحديث كان الرسول حتى اخر لحظة في عمره باخطائه البشرية التي صوبت له و بتجربته المعرفية كان ذا طابع علمي واقعي في علاقة الوحي بالانسان او العقل او الحدس او الحواس يضرب مثالا على ان هذه المعرفة هي جدلية في طرفيها اليقين و الشك و الظن...اي ليس كل ما هو نقل فهو يقيني او ظني و لا كل ما هو عقل انساني هو يقيني او ظني..و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم سيتذكر كل حياته هذه الدروس في المنهجية العلمية التي نرى المناهج العلمية الحديث توجه شططها للاقتراب منها شيئا فشيا الى ان لا معصوم من الشك الا الله , افي الله شك فاطر السماوات؟؟ .ففي الواقع المعرفي كل نتيجة قابلة للدخول تحت مجهر الشك و النقد و التجريب و المرجعية الالهية المطلقة هي التي تشكل الميزان الذي يحدد نسب الشك و اليقين تراتبيا بحسب القرب منها من جهة و موافقتها للواقع نفعا و عملا من جهة اخرى في صراع و تدافع لا يعترف بالعصمة لأي شيء الا لمن وضحت عصمته بهذه المرجعية: الرد لله و الرسول كل مرة و كل أن دون قنوط من الأمل في الله ان يفتح من الشك بابا جديدا او أمن مكر الله ان يكون بيقين ما في شيخ او جماعة او عالم او مجاهد او نظام او كتاب قد أغويت و جعلت تعبد احدا من دون الله من ابي بكر و عمر و الصحابة مرروا بمالك و احمد و البخاري الى الأشعري فالغزالي فالرازي فابن تيمية الى ديكارت او سقراط او نيوتن الى المبادئ الفلسفية الاولى للفلك و العقول العشرة الى المنطق الأرسطي , الى نظام تقليد المذاهب الأربعة و الى فقه الولاء و البراء و دور الاسلام و الكفر الى كتب التاريخ و القديمة و تفريعاتها الى كتب العقائد النسفية و الحنبلية و الاعتزالية و السلفية الى الكتب الصحاح و علوم المصطلح الى الداروينية الجديدة الى مقالات البنا و تحريرات و تقريرات ادهم الى كلمات أينشتين و فلسفة ستيفن هوكينغ...دون ان يعني استواء وقوعها ودخولها جميعا تحت مظلة الشك في الخطا ان تكون فعلا مستوية في نسبة اليقين و الشك في اقوالها فكل من كان منهم اقرب الى المرجعية كل ما كان اليقين و الحقيقة في كلامه اقوى و الشك و الخطأ في كلامه أقل و الاستبداد في معاملاته أقل و الحرية و المسؤولية و الحنيفية السمحة فيها أكثر و الفرقة و التنازع و التعصب بين افراده اقل و الاجتماع و التسامح و التآلف بين القلوب و حسن التعايش في عناصره أكبر...فلا مرجعية معصومة من الزلل منها الا تلك المرجعية الوحيدة و بحسب اضفاء كل من هؤلاء العصمة على شيء من هذا من المخلوقات الى و يفرط من شيء من حريته و يترك لغيره ان يستعبده و يستغله و يتلاعب بعقله...و لهذا ما انفك النبي صلى الله عليه و سلم يقول اننا أولى بالشك العلمي من ابراهيم و من الضعف العملي من يوسف و من الغفلة عن شدة هذه المرجعية الركن من لوط...
سابعها : الدلالة على هذا المنهج الواقعي العلمي في ما عبر عنه اهل هذه المرحلة من البحث عما تحته عمل , و ربط البحث العلمي بالواقع المعاش الانتاجي ...برفض التقليد و الاطلاقية و اليقينية في الانتاج البشري و البعد عن النظرة الاختزالية في العلوم التي تقسم كل شيء الى خطأ و صحيح و ضعيف و ضحيح و أبيض و اسود يقينا سواء بالتأييد او الابطال و من جهة اخرى البعد عن الواقعية العلمية الى مثالية غيبية ميتافيزيقية قليلة الأدلة و بعيدة عن الواقع الذي هو ميدان النظر و ميدان المباحثة و بالتالي الغرق في التعصبات الطائفية و السياسية و التحزبات المعرفية المذهبية و ادخال العلم الى هذا النفق و معه الدين الذي اسس بهذا المعنى على العلم...فاعلم انه لا اله الا الله.. فان كان هؤلاء الأنبياء و لم يخلو من لحظات الضعف و الوهن الفكري و النفسي و النقص فلا يمكن اخذ كل ما يقولونه الا ببرهان التبليغ بانه من عند الله فكيف بمن بعدهم ؟؟؟و لهذا تواتر عن هذا الجيل الرد على الأمر العتيق و التنفير من التقليد , و في نفس الوقت نقد التعالم دون علم متوارث عن كيف تجلت هذه المرجعية العتيقة في الناس في اختلافهم و اجماعهم و ما حددته من ناسخ و منسوخ من حاجاتهم و هما الجانبين الذين يهلكان المعرفة و اتت على هذه النظومة حتى صاغوا لها لفظي السنة و الجماعة كلاهما مانعان من التقليد و من السير المنبت الخارج عن الجماعة..
ثامنها الموضوعية العلمية في المجال العلمي و التعليمي و التطبيقي و النقد الذاتي من انكار المنكر و الأمر بالمعروف و التناصح في دياليكتيكية علمية و تعليمية او ما نسميه المراجعات العلمية اذ من أسسها ايراد المعرفة العلمية كما هي في الواقع سواء كانت الأدلة تظهر لك انها لك او عليك و لهذا كان من منهجهم و قواعدهم ان المنتسب الى الاسلام الحق انما يورد ما له و ما عليه حتى لا يكون فهمه هو ان هذا الدليل ضد الاسلام فهما ديكتاتوريا بظنه انه قد وافق حكم الله و قد لايكون وافقه و بهذا يتعلم الصبر على المخالف و عدم الخوف من الحق و بالتالي عدم ادعاء امتلاك الحقيقة 
تاسعها : بمناسبة التدرج بين الشك و اليقين و الضعف و القوة بحسب القدرة الفردية الانسانية كما هي قدرة الأنبياء فما دونهم احدثت نفس التدرجات في الأصول كما في الفروع و مست سائر العلوم ...فكان تنظيم درجات الاصول بحسب افادتها لليقين من كتاب ثم سنة اقل يقينا ثم اجماع اقل يقينا ثم قياس ثم قول الصحابي ثم اجماع اهل المدينة ثم اجماع الجمهور ثم اجماع اهل المدينة و اهل الشام و اهل العراق ثم اجماع اهل فن من الفنون ثم الاستحسان ثم الذرائع ثم المصالح المرسلة الخ الخ...و في الفروع و التطبيقات الفقهية جعلت الأمور الكبرى على ما رتبت عليه القوانين المدنية الحديثة من القواعد الفقهية الكبرى الضامنة للحقوق الكبرى كحق الحياة و الملكية و الحرية الشخصية و هكذا حتى وصلت الى ادنى شعب الايمان ...
عاشرها قي منهج البخاري و ان لم تكن الفائدة من صلب الحديث احترام التخصصات و التدرج فيما بينها فيما بحسب قربها من المرجعية المطلقة فما المنهاج الحديثي في الأحكام كمنهج السير و المغازي و لا هذا بنفس القوة و الخصائص كمنهج اصول اللغة و لا هذا كمنهج التاريخ و الدول و التراجم و لا هذا كمنهج العلوم الطبيعية و لا هذا كمنهج الآداب و الفنون و سائر اللهو بعد ذلك...فكلها ان سبرت كلام القدماء وجدتها متدرجة تسامحا و حزما و حرية و تقنينا بحسب درجاتها فكان هذا الوعي دافعا لحسن تطور العلوم الاسلامية و العقل الاسلامي و سلامته من الجمود و الانفلات و الفوضى لمدد طويلة قبل ان يسقط شان كل موجود يرتفع
و هذا الفرق بين مناهج العلوم و الذي تجده ملموسا في علوم كل امة صعدت لكون ينتج عن الخبرة العلمية الجماعية للوسط العلمي بنسبية الحقائق العلمية و الواقعية و تراتبيتها , هذا الفرق و خاصة الفرق بين مناهج المحدثين و المؤرخين هو الذي لا ينقضي منه العجب اليوم لعدم اعتباره من كثير من الباحثين  , و اصل التشدد في الحديث دون التاريخ و المغازي و الآداب و غيرها  له علاقة تمس جانب الفقه و التشريع من جهة و جانب النقل من جهة أخرى ..
 فمن جهة النقل:  علة التشدد  ان احاديث الأحكام و الأصول و الحلال و الحرام تقوم بامور تكثر الحاجة اليها و تعم بها البلوى و جعلت بعد القرآن من المجالات الاكثر اهتماما بها , و لهذا كان الشرط فيها قبول الأحاد فيها دون الالتزام بالتواتر كما اشترط في القرآن لأنه الأمر الذي كان يشغل المرتبة العليا في القرن الأول بعد النبي صلى الله عليه و سلم و استوعب قناة النقل الكتابية و الشفوية كلها فلا يعقل ان يقبل فيه الا التواتر اذ اشتغال كهذا لا يمكن ان ياتي آحادا ...و ترخص في الأحاديث لنزول رتبة الاهتمام بها في العصر الأول عن رتبة القرآن فمنطقيا و عقلا ستأتينا الأحاديث برتبة أقل في النقل , و هي في نفسها بعضها اعلى درجة من بعض فجاءت اخبار الأحكام في الدرجة الرفيعة من النقل لأنه منطقيا وواقعيا الحاجة تكثر اليها يوميا ثم تلتها الفضائل و الأخلاق , ثم تلتها المغازي و السير و ما يستقبل من النبوؤات في الأزمنة المقبلة و التفسير و فضائل الصحابة و فتاويهم و أمثالها لكون الجماعة انذاك كانت اقل اهتماما بها و بنقلها فكيف باحكام اللغة و غريبها و الأشعار و اخبار الجاهلية و الأنساب و الوقائع التاريخية المفردة التي عادة ما لا يكون الاهتمام بها يوميا الا للمتخصصين بها و قد تتواتر او تصح فقط عند المتخصصين بها (ان استثنينا ما كان اثره شاملا لكل الناس او غريبا تتوافر الدواعي على نقله فهذا ينقل بالتواتر من كل هذه الأصناف ) فمنطقي جدا ان تأتي الأخبار فيها بنقل منحط الرتبة عما سبق لاستيعاب انواع الأخبار السابقة لقناة النقل التابعة أصلا لحاجات الناس اليومية و الذين عادة لا ينقلون الا ما يحتاجون اليه فكيف ان علمنا ان الناس في القرون الأولى كانوا عمليين اكثر تدربا و تحققا بالاشتغال بما ينفع و ترك ما لاينفع . و لهذا تعلم قدر الجناية على من شن الغارة على امثال الامام الطبري و الامام ابن سعد و امثالهم في اعتماده لمرويات من هو عندهم كذاب في الحديث و شيعي محترق او ما شابه , مع انه اهل اختصاص بنقل هذه الأمور و لا يقبل ما عندهم عند اهل التاريخ الا بعد السبر و المقارنة فلا ترد مطلقا و لا يشترط لها شروط اهل الحديث و لهذا فمثل قصة الغرانيق مثلا او مثل مسألة سب بني امية  من المنقولات التاريخية مثلا تعددت طرقها و استفاض نقلها في كتب الحديث و المسائل و اللغة و الأدب و التاريخ مما لم ينكر وقوعه اهل الاختصاص لعلمهم بأن انتشارها دون نكير و استفاضة نقلها من طرق متعددة و ان كانت منحطة الرتبة كاف للجزم بأن لها اصلا تاريخيا و لهذا جزم بها من جزم بها من ائمة اهل الحديث و الفقه ,  ثم يأتي من يأتي و يحاكم هؤلاء الأئمة بموازين الحديث المشددة ..فان كان بعض الاخوة قد يكون مصيبا في ان احاديث مسلم في غير الأصول و الاحتجاج لا تسلم من النقد و لا تتجاوز القنطرة و لا يرى دخولها في الاجماع , فضلا عمن يرى من المبالغين في هذا الرأي ان البخاري استوعب الصحيح كله على نظره و ان ما تركه لا بد و ان تكون له علة قادحة او غير قادحة اوا ان مسلما لم يفعل الا ان ركب مستخرجا على كتابه , لكن في الجهة المقابلة لا يزول العجب كيف لا يقبل روايته هذه في امور تاريخية يجزم بوقوع ما روي باقل مما اشترطه مسلم على نفسه ...فضلا عن العجب ان يستنكر السب مثلا بين الصحابة مثلا فضلا عن اشياع الأموييين و العلويين  و قد وقع بينهم القتال و القتل و القتل و القتال اشد هولا و منكر أفظع من السب و قد وقع من الطرفين و ما كان ذلك ليحط من رتبة الطرفين و لا ان يساويهما فيها , و لا ان يجعل العصمة من الأمرين لكليهما رضي الله عن الجميع
أما من جهة الفقه فان الباعث على التشدد منشاه المقاصد الكبرى للديانات التي أتت في قيمها الكبرى المتفق عليها و القطعية بين اهل الديانات جميعا لحفظ الحقوق و الحريات , و التشريع و التقنين عنف و تضييق و استبداد في اصله خاصة عند من كان الراجح عنده اصلية الشر في الناس, و لهذا كان منزع كبار الأنبياء و بعدهم كبار ورثتهم ممن فقهوا هذا منهم من المحدثين و الفقهاء على السواء الميل نحو تقليص سلطة القانون الوضعي البشري ما امكن و حل المنازعات ما امكن دون تدخل القانون و لهذا عيبت كثرة المسائل قبل وقوعها و عيب من سأل عن اشياء ان تبد له تسؤه و جعل من الجرم الكبير من سأل شيئا فحرم لاجل مسألته و ذم التهافت على الفتوى و ان اجرأهم عليها اجرأهم على النار و ذم التشوف للقضاء و الامارة و لو بين اثنين و ندب الى الستر و اصلاح الأمور قبل الوصول للتنازع امام القضاء , و ذمت شقشقة المسائل و تفريعها و تتبعها دون داع واقعي . كل ذلك هربا من ان تعرض الحقوق و الحريات لقيد بشري باسم الهي و هو احتمال قائم دائما حتى بين أتقى الناس , فكان السعي الى ترك الناس و حقوقهم و حرياتهم ما أمكن تنظيمها دون تنازع و فساد سعيا نحو توسيع دائرة الحريات و الحقوق و تقليص دائرة احتمال  الاستبداد البشري ما امكن لهذا كان التشدد في رواية الحديث بوضع الفلترات الواقعية الشديدة الاحكام ما امكن لخطورة تقييد الحقوق و الحريات دون اذن ممن يحق له الامر لاحقيته بالخلق, لهذا تجد  في الغالب كل من كان اكثر تشددا في روايته بالضوابط الواقعية الملموسة واقعا بين الناس - لا بالهوى و الظن الفردي - كان اكثر تحررا في فقهه و اكثر تسامحا و اكثر نفعية لكونه أكثر ربطا للناس في فقهه بامر الله الكوني و الشرعي لا لامره هو الذي يظنه انه ملزم لأنه يوافق حكم الله فقط بمجرد ما ظهر له في اجتهاده و فتواه او اجتهاد طائفته او مذهبه و العكس بالعكس يكون الأمر في الغالب ..و لهذا قال سفيان الثوري انما العلم الرخصة من ثقة أما التشدد فيحسنه كل أحد ...


ما زال في الحديث الكثير من الفوائد ان وضع في سياقه قد نبحر بحثا عنها مع الوقت ان شاء الله

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

يوميات حائك - اكستراس : الهرم الالحادي

                                                      اكستراس


الحاجة الى الخضوع و التعبد و الدخول في السلم و السلام الداخلي و الخارجي و هي المعاني الجامعة لكلمة الاسلام , هي الحاجة المعيار التي ينقسم بسببها الملحدون الى أصناف بعضها أعلى من بعض  ..فهناك من الملحدين من لا يعرف و لايحس بهذه الحاجة الفطرية لوجود حجب نفسية أنانية في الغالب تمنعه رؤيتها في نفسه و يعتقد وعيا او لاوعيا بامكانية ان يكون غنيا بنفسه فليس من مخلوق اضل منه , الهه نفسه اذ اتخذ الهه هواه ...هناك اصناف اخرى من الملحدين اكثر تحررا من نفسه يحس بهذه الحاجة الفطرية من هذا و علم نقصه و فقره و حاجته و لكنه لا يحب اليقين بالغيب و لا الصبر على العاجلة فيعتقد الغنى و الكفاية في أعجل المحطات اليه من نفس القوى الطبيعية الغامضة الاقرب اليه و المماثلة له و النفس تحن الى مثيلها فيلجأ اليها و لجوءه ليس الاعبادة مع انها من مرتبته يراها خاضعة كخضوعها لا تملك له ضرا و لا نفعا بمشيئتها..وهناك صنف اكثر تحررا من هؤلاء جميعا و يعلم هذه الحاجة و حتميتها و يعلم نقص نفسه و فاقتها و يعلم  ان لاملجأ الى ما في الطبيعة الا الى من هو خارجها و الى من هو اعلى من جميع ظواهرها لكونها مثله مطبوعة على النقص و الفاقة و الحاجة فيلجأ الى حل اكبر وهو محاولة تجاوز فاقته و حاجته بنفسه و اخراج الغنى من فقره وحده و الاستعانة بنفسه على تجاوز نفسه و تأليه الناقص باتخاذه و معاملته معاملة الكامل و بالتالي معاندة هذا العلي و تحديه و المنافقة التامة في ذلك و سد كل الطرق اليه و السعي الى الاستقلال عنه و مغالبة الحاجة و الحتمية اليه و ايلاءه و هدايته المحتملة سواء في قوانينه الطبيعية او الشرعية الظهر كرد على ما يعتقده هو من ان هذا العلي اولاه الظهر بالزامه صفة النقص و الذل و الفقر و الحاجة الناتجة عما ركبه فيه من الظلم و الجهل من عدم القدرة على معرفة كل شيء و الاحاطة بكل شيء و لسان حاله : بما أغويتني لأجعلنها جنتي و ناري و مملكتي و أعلن استقلال أرضي عن سمائي ...و هناك صنف من الملحدين اكثر تحررا من كل هؤلاء يقر بالحاجة و يقر بحتميتها و يقر بتوحيد القصد و الطلب و اللجوء و الخضوع فقط الى من هو خارج كل هذا الوجود الناقص و يصدق مع نفسه اذ يعلم لنفسه قدرها و يعلم احاطة العلي و قهره للعالم الذي يدور بين ان يكون خيالا خلقه الملحد او حقيقة خلقها العلي فلا مهرب منه اذن الا اليه و لا حل الا اللجوء والاستقواء  و الاستعاذة  برحمته من غضبه و بمعافاته من عقوبته  و به منه لا ملجأ منه الا اليه  ... و يسعى لهدايته لمعرفة اصل كيفية طريق انزال هذا اللجوء بين الغلو و الافراط في هذه الحقيقة المخلوقة خارجه و لكن لايجد اليه سبيلا...ثم اعلى اصناف الملحدين من علم الحاجة من نفسه ووقف عليها ووقف على حتميتها ووقف على لزومها لكل الوجود المماثل له و وقف على حتمبة اللحوء و الخضوع لمن هو وراء كل شيء و علم حتمية وجود الاتصال و استفرغ جهده حتى وجد مادته بحسب حاجته و طاقته و قدرته لايكلف الانفسه و لايكلف نفسا الاوسعها ..و علم أن منها داءها و دواءها ..و انما الشأن شأنها , ان احسن فانما احسن اليها و ان أساء فلها, فيقارعها و يواجهها بدل مواجهة غيرها , و يقهرها و يطويها حتى يغلبها و يغالب بخيرها شرها و يستعين لاخضاعها بخيرها على شرها و زكاتها على دسيستها و بها عليها ..فترتبط  فيورثه تحقيق الخضوع و التعبد و بالتالي الدخول في السلم و السلام الداخلي و الخارجي و المنظمة لفوضى حركتها بتنظيم سيره سيرا غير منبت المتسقة حركة و  الجماعات الانسانية  تحقق التدافع بأعلى درجات السلمية الممكنة و بأقل الخسائر العنفية الممكنة تغليا لأكثر قدر من الرحمة على الغضب ...فيتطور نحو تحقق ربانيته بدفع بين ما في الناقص على الناقص بتوحيد الاستعانة و التوكل و الطلب و اللجوء و الاستعاذة  في ذلك  بدفع ما بالكامل على الكامل  في معراج تنفتح فيه شيئا فشيئا مع كل سمو الى قمة الهرم  العين التي تسعى  في تناغم مع العيون الأخرى المتعايشة لتتغلب على نقطها العمياء التي تفرض عليها الشك الابراهيمي لوجود العمى داخل الابصار و الشك داخل اليقين و السواد داخل البياض و الفوضى داخل النظام و المحاكاة داخل الواقع ...لترى كل شيء من خلال رؤية خالق كل شيء تمهيدا للرؤية الموعودة التي تحيط من حقيقة الأعلى في يومه اللاحق بقدر حريتها الفردية الجماعية في ابصار آياته التي أتته في يومه السابق...  الحرية المسؤولة المنعوتة بالحنيفية السمحة و التي يجب ان يتحقق بها و يرى اثارها على الفرد و المجتمع في كل علاقاته يوميا و معاشا وواقعا و تواصلا و مدافعة و مغالبة لا احلاما و فانتازيا و انعزالا و رهبانية   ..
تجدر الاشارة ان هذه المراتب منتشرة بين رافعي شعار الايمان و الكفر بحسب تمازج الاحوال و الايام و تعاقبها حتى لايستغني احد عن طلب الهداية و لا ادعاء امتلاك الحق و بالتالي انه قادر على هداية من يحب فالنفاق لن ينمحي الابطلوع الشمس من مغربها

السبت، 7 سبتمبر 2013

VII - يوميات حائك : اندبندنز داي: يوم الخلاص

"الحرية آخر مقامات العارف"
أبو القاسم الجنيد



اندبندنز داي : يوم الخلاص





مرة أخرى ...نوبات الأرق هذه لا تريد مغادرتي مع نوبات الاخفاقات و الاحباطات في المشهد الشرقي, أحس أن الفجر لن ينبثق أبدا مع انه لم تبق الا سويعات على الشروق, استيئاس و قنوط غامر و ظن بالكذب في الوعد الضاحك المبتسم بقرب الفرج , بعد سير غير منبت نقطة بدايته كانت كنقطة بدايات الماراتونات , تتلفت يمينا و شمالا في كثبان الرمال النيتشوية في صحراء الوجود فلاتجد الا افرادا شذاذا نزاعين من قبائل فكرية شتى ,يزيد احساسك بالغربة مع تأملك الرمال فلا تكاد ترى اثار اقدام الا واعتراك احساس شبيه بما يجد المكتشف لأقدام الغول ذو القدم الكبيرة , يعتليك ضيق صدر و عطش مهلك من وحدة جافة محرقة ولدت من هذه الأخلاط بقدر اعتلاءك درج الهرم فلا ترى جلساء كانوا قاعدين معك في قواعده الا قليلا تجعلك تخنقك بسؤال واحد كلما جن الليل بكواكبه و نجومه , ألا ايها الليل الطويل ألا انجل...
هروبي النمطي من هذا ضيق هذا السؤال شأن كل من تلبس به في تاريخ البشر لم يكن الا لغار نمطي في ايامنا , التجائي الى التلفاز وفر لي حظين احدهما جيد و الآخر سيء: الأول اني صادفت حلقة من برنامج "وثائقيات تي في" على القناة الثانية الاسبانية حول فلسفة بناء الأهرامات , تتقدم بنظرة علمية جديدة غير النظرة الكلاسيكة المسيطرة على علوم المصريات و الآثار, الحظ السيء ان البرنامج يلفظ انفاسه الأخيرة ,ماحال دون ان ينمحي كل الضيق, فكرت في زيادة الجرعة بشيء ما و فتحت الاكس بوكس على لعبة "عقد الحشاشين " فلربما تتم تسليتي باخراج الشاب كونور من ضيق مأزقه بين الخيانات و التعصبات التي ملأت مشهد الحل في الثورة الأمريكية للوصول مع عباقرة الآباء المؤسسين الى جواب سؤال ديزموند.. تخترق سمعي كلمات المقدم في خاتمة البرنامج الاسباني عن برج بابل و اهراماتها و عن هرمس مع ظهور جورج واشنطن يشرح مخاطر الدخول في حرب اهلية:
"لا وجود مطلق, بل الكل ممكن"
لا أتبين العلاقة بين كلام البرنامج عن هرمس و بين اهرامات مصر , و كيف يمكن ان تكون هناك روايات تفيد انها كانت بنايات بنيت لمحاكاة الحياة و تقديم الامتحان الهرمسي للوصول للكمال , و كيف أن اثار هذه الشخصية اللغز منتشرة في اصقاع الأرض في أدبيات شعوب العالم القديم جميعا, و لا حتى اتبين علاقة كل ذلك بما يتكلمون فيه عن نص لوحه الزمردي : 

: "إذا كان الأعلى من الأسفل والأسفل من الأعلى، عمل العجائب من واحد، كما كانت الأشياء كلها من واحد. وأبوه الشمس وأمه القمر، حملته الأرض في بطنها وغذته الريح في بطنها نارًا صارت أرضًا. أغذوا الأرض من اللطيف بقوة القوى، يصعد من الأرض إلى السماء، فيكون مسلطًا على الأعلى والأسفل."
يبدو لي اني سمعت معاني هذه اللوحة من قبل كثيرا, رغم اني اول مرة اسمعها ..هذه الاستشهاد بمظاهر الحركة الخارجية الكونية وربطها علوا و نزولا بمظاهر الحركة الداخلية النفسية في دائرة مرتبطة بمرجعية و جعل هذه الدائرة الانسجامية نحو النفس الانسانية هي الحل لكل اسرار الكون و معضلاته في السعي الى الكمال , هناك تشابه ديجافو هنا خلق في هوسا فجأة انساني هوسي بذلك السؤال المحبط المضيق للصدر, تركت التلفاز و هرعت الى النت بحثا عن تفاصيل تحت وقع نغمات السمفونية التي تعلن نهاية البرنامج التلفزي و التي كانت كلماتها اعلانا لبداية التمرد الكفري بطاغوت الأحبار و الرهبان في الغرب الأوروبي المليء بالتوحيديين و ملجأ البذرات الفرسانية الهيكلية الأولى لخلايا أنوار السلوك الألوميناتي المحتضنة لبقايا خميرة الفيثاغوريين الذين وقعت لهم في تلك الأزمنة الغابرة من شيعة الصابئة الهرامسة لتنطلق معها لمحاولة خطف ثورة فطرية كبرى أو على الأقل قرصنتها ...

اوه يا الهة الحظ 
أنت كما القمر 
متغيرة الحال
دائما ما تكبرين 
أو تنقصين
يالهذه الحياة التعيسة
تقمعين اولا
بعدها تريحين
تلعبين بروحي
الفقر كماالسلطة
تذيبينهما كما لو كانا ثلجا

أحتاج تواصلا...احتاج احدا يحس بما احس أبه و أكلم نفسي في شخصه , احدا في هذا الباب من هذه الصحراء الجحود الصماء يفهم هذا على تعبير ابن رجب ,شخصا من اولئك القلة ذات الندرة الذين يبقون من غربلة الحوادث في سنين عيشك في مثل ندرة ذهب مستكشفي الذهب او مستكشفي مضاد المادة في تدفقات انهار السماء و الآرض في جبال الأنديز, طاقتهم المظلمة  قوية و طاغية تقوي من أثر القوة الخامسة فيما تمسهم بهم و نورهم من ايمانهم بالقدر و كارب دييم يسعى بين أيديهم يذكرهم بخلق الظلمات كما النور فيضعون كلا منها في موضعها فاذا هم مبصرون , شخصا يفهم كيف تتعاون المتناقضات , ليكون الصمات كلاما، والجواب إمساكا, لا يدع تضاعيف الخطأ تتراكم بخرق حجاب الستر على ما لا تطيقه عقول الناس من احاديث الفتنة المطابقة للحق , بل يحيل الناس على شيءٍ في رأسه، يتقاتلون على فهمه يراه الصادقون غموضا و يحلف المنافقون انه منهم و ما هو بمنهم...و لتعلمن نبأه بعد حين 
بين البحث في النت و في ارقام الهاتف كباحث بشعلته في الطرقات بين الناس عن انسان , لا اعلم لماذا تركت اختياري اول رقم لاكلمه لصدفة القدر... ...
- من الثقيل ؟؟..
-أنا يا بامبو...عندي نص حيرني ..
- خفض الموسيقى ياعم لا استطيع الكلام في الهاتف...انظر يا وجه النحس..انا الآن على وشك تعليق فتاتين معا و انت تهاتفني للكلام عن وساوسك؟؟
- اصبر علي فقط, النص من نصوص الالوميناتي الخطيرة ...
- ممم ...طيب لو كان كذلك انطلق ...حاضر انا راجع دقيقة فقط
لشعوري بأني اكلم الشخص الغير المناسب تلوت النص بسرعة فقط لاغلق المكالمة و اغلاق كل الموضوع معه 
- ما رأيك؟ يذكرني النص بكلام لعالم ما او فقيه ما لكن لا اقع عليه..
- أنا ايضا هذا الكلام يبدو لي مألوفا لكن نصيحة مني حتى أراك غدا, لا تبحث في كلام اناس يتقاتلون بيزنطيا في جواز شرب الخمر للعطشان في الصحراء و كأنه مرتع للحانات بدل الواحات فهذا الكلام كبير عليهم..يلا باي يا ثقيل..

النتيجة التي كنت اتوقعها من سليط اللسان هذا , فلي مدة طويلة لم اتواصل فيها مع احد من اولئك الغرباء القلة , لدي هاتف واحد منهم ممن كنت ادخره لوقت شدة , لم اكلمه قط فكيف اتصل به الآن ؟؟ مع انه ما قد يشجعني أني لم اكلم احدا من هؤلاء الا و مر الأمر و كأننا نعرف بعضنا من قديم ...
- السلام عليكم , من معي؟
- أنا ديوجين يا سيف
- لحظة أرجوك ...لا يوجد كمامات اخرى؟؟؟ 
- هل اتصلت في وقت غير مناسب
- أظنني عرفتك ..اخيرا قررت ..فقط المشكلة انه لدي حالة مستعجلة و انت تعرف قدرك عندي..اامر يا حبيب
- نعم .و لا حاجة لي للتعبير بالمثل..لدي نص شبه لي و اريد ان اصلبه
أحسست مقارنة لحال نفسي به و أنا اتلو له النص بين الأصوات الآتية من الفوضى التي هو منغمس فيها و كأني مثل ذاك المتغرب الذي كان في العبادة يلعب حتى ما اكملت تلاوة النص الا بشق النفس
- ... لا اصدق انك لم تتنبه لشبيه هذا النص ياعزيزي ديوجين وكلفك كل هذا...
- يعني لن تخبرني
- طبعا لا..يجب ان تجده بنفسك كما اقفلت باب الناس بوجهي مرة حتى وجدت العتبة بنفسي, لدي رقمك الآن سأكلمك لا حقا..
دش بارد..على الأقل تأكدت أني لاأتوهم الشبه..فالأخبار عن هذه الشخصية القديمة قدم الانسان حتى ان شعوب العالم القديم على اختلافها في تأليهها كما حكاه ابن عباس من عادة البشر بعد الطوفان من عبادة اباءهم و صالحيهم مع الوقت و هو ما اكده علم الاجناس الحديث , لكن هذه الشعوب تتفق في رواياتها التي يكاد يكون من المستحيل التحقق منها لاختلاطها باساطيرها التأليهية , على وصفه بنفس الصفات تقريبا من انه اول من اتخذ اللباس من جلود الحيوانات و اول من استخدم الكيمياء و اول من ابتدع الخط و اول من نظر في النجوم و الفلك في اوليات غريبة, فضلا عن وصفهم له جميعا بأنه من اوائل رسل الرب الأعلى زيوس او اله الشمس او ما كان, تجدها في وصفه في برديات الفراعنة يخط و يحسب في محكمة الموتى التي رفع اليها في السماء , وصولا الى وصفه في الموروثات السنسكريتية القديمة كاول كاتب من ابين ابناء كيومرت او ادم كما يسمونه مرورا باليونانيين الذين الهه اخرهم و نسب اليه متقدموهم الحكمة التي وصلت الى الفلاسفة الأيونيين الأوائل من بابل و تؤيده الكشوفات الحديثة التي وجدت بين المنطقتين ادلة واضحة ليس اقلها نظرية المثلثات المتوارثة على الحجر مع ما هو معروف عن رحلات فيثاغورس صاحب نفس الفلسفة الهرمسية الى هذه المنطقة ...فضلا عن توارد مؤرخي الفلسفة اليونانية الأوائل من المسلمين و اهل الكتاب على تاكيد هذه العلاقة و التعظيم الذي كان يكنه هؤلاء لهم و لعلومهم التي ورثتها الصابئة المنتشرون في بلاد الاسلام و المنتسبون الى ادريس رغم ان تحريفاتهم عليه في نفي الحاجة للنبوة الملزمة شبيهة بنفي المجوس البوذيين للحاجة للاله في الطور الأخير لتطور البوذية المتطورة بدورها عن الهندوسية,رغم هذه التحريفات فما زال كثير منهم يقر بنبوة كثير من الأنبياء و يجزمون ان اليونانيين انما اخذوا علومهم من هرامستهم الأنبياء كما يدعيه اليهود ايضا على اليونانيين , و هو ما كان يقول به طائفة من المتفلسفة و الحكماء و الطبيعيين المسلمين و يحكون عن فيثاغورس و سقراط و جالينوس الاقرار به ,كما نقله عنهم القفطي و ابن ابي صبيعة و جزم به كاتب رسائل ابن حيان و ابن تيمية بعد ان كان يميل اليه

قدر متوحش عبثي
يدور بحسب ارادتك
هذا حالك من الشر 
الصحة بلا قيمة
فدائما ما يمكن اهلاكها
حتى و انت مكسوفة و محتجبة
فانت تصيبينني بالهلع 
الآن في هذه اللعبة 
امضي بظهري عاريا 
بسبب نذالتك 



الجموع البشرية التي تدافعت بحثا في طبائعها و طبائع الكون و الفساد عن نظام يؤلف بين قلوبها و اجسامها , و تطورت على ما توارثته مما ادركته من كلام انبياءها في بناء هذا البناء الذي كلما نظروا اليه علموا انه ما زالت تنقصه لبنة او لبنات تكمله ليكون مخرجا للفرقان من العماء و الفرق من الجمع و الوحدة من الكثرة و السنة من الجماعة في وعاء وجودي متكامل يتأقلم مع اي نظام يوفر الرضا بحسب تقلب الدهر و مصالحه و يؤسس الفقه الفردي كما الجمعي بتوريث علم يتعلم فيه الجميع من الجميع فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه و يبنى على ثلاث أسس :
1-
السنة و حق التدافع و التعبير بحسب النموذج الفرنسي يضمن عدم اندثار هذه القيم و ضمان الانكار و حق التعبير و التناصح و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بدرجات بحسب القدرة و العلم الفردي و الجماعي كمحرك آلي للتطور الاجتماعي بحيث تظهر التشريعات بطريقة طبيعية بآلية التدافع المستمدة من الطبيعة بتوافق مع ظهور الحاجات الواقعية
2- الأغلبيةاو الجماعة الدستورية بحسب النموذج الانجليزي تضمن السلمية بربط التدافع بسيادة القانون ما يؤدي الى تقليل خطر التشتت و خلق اكبر قدر من الانسجام السلمي المعالج الأكبر للامراض و الظواهر الاجتماعية الشاذة و بالتالي ضمان تقليل الخسائر من التدافع ما امكن 
3-والمرجعية بحسب النموذج الأمريكي التي تؤسس البناء كله على قيم خارجة عن الواقع الذهني اللغوي لكل البشر مما تضمن معه استقلالية هذه القيم الكونية كرسالة عالمية نحو الحرية و العدالة بضمان الكفر و الالحاد بكل طاغوت و نقض عبادة و عبودية اي فرد لفرد أخر من جهة الفردية و الطغيان البشري سواء في صورة استبداد الأقلية او الاغلبية و عدم انجراف الجميع نحو الابتعاد عن الاطار الطبيعي للفطرة الكونية الطبيعية بالتالي القضاء على امكانية ان تخدر الجماعة نفسها بنفسها و تخلق لنفسها واقعا بديلا غير واقعها و هذه هي النقطة السوداء في الأنظمة التمثيلية و معضلتها الزباء و داهيتها الدهياء و الاعتراف بالحاجة الى ربطها بالباطن الغيبي الصحيح و الحاجة الى الدرس الاخلاقي من موجود أعلى من الجميع هو الذي سيكون مفتاح نصر احدى المعسكرين الشرقي و الغربي المتنافسين , و من يصل بسلم الكلمة دون اكراه السيف و بقوة القانون دون قانون القوة الى نشر هذا الكساء المطهر فقد يصل لحمل شعلة توريث الأرض فهذه الثلاثة هي الضامنة بحسب مفهومي السنة و الجماعة لتصحيح التدافع الطاهر من نية العلو و الافساد في الأرض علوا فرعونيا مع الوقت اذ الأنانية الانسانية لن تنخفض ما لم تجد موجودا اعلى منها دائما حتى تقول ما علمت لكم من اله غيري ..وهي العلوم المبثوثة في سنن الأنبياء و بناءهم الذي بنوه القائم على ايجاد افراد ربانيين احرارا بالتعبير الهرمسي المحرف تنزيلا او تأويلا: الاله الفان, يكسب ربانيته من حريته و استقلاله من الخضوع و العبودية قلبا و لسانا و جوارحا لاي مرجعية احد مثله , لينتزع حريته بالتدافع خضوعا فقط لمن ليس كمثله شيء , محددا في سلم تدافعت فيه الأمم شرقا و غربا في الارض في ما انزل : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .. فرتبها على قدر حريتها المتحصلة من خضوعها لمثلها...و الشرق ماض في انكار الأساسين الأولين و الاكتفاء بالأخير فقط بينما الغرب ماض في كفاحه لانكار الاساس الأخير و نزع يد العلي عن الأولين...و هو عمى من الاثنين منذر بقرب تطرق الفساد و الخراب الى هذا العالم و انذارا بخروج المهندس الطاغية الذي يقوم طغيانه على غياب العدل لغياب نموذج جامع لهذه الأسس ...وهدفه غلبة نظام محاكاة قريب للنظام الصحيح دون المرجعية و مغالب للمبدأ الطبيعي من استحالة ان ينجرف الانسان عن فطرته و واقعه ... مهندس لواقع بديل سيريد ان يستعبد البشر كلهم لواقعه بواقع بديل واقعي ناجح متماسك يكاد يكون موافقا للواقع الأصلي في كل شيء لا تنقصه الا الحاجة الى هذه المرجعية الأصلية ... ..في اكبر فتنة سيحذر منها رسل صاحب المرجعية الحقيقية الوحيدة الضامنة لحسن تعايش البشر....و لن يظهر اثر نقص هذه المرجعية الأصلية في عدم وصول هذا الواقع البديل الى النجاح الكامل الا بعد استعصاء منطقة التواصل الأخير لتلك المرجعية الأصلية بالأرض ...استعصاءها على سيطرته فيبدأ ظهور الفرقان و يسميه الناس : يوم الاستقلال


الحظ في الصحة و في الأخلاق
دائما ما يعاكسني
يدفعني و يثبطني
في استعباد دائم
بلا تأخير يضرب الأوتار الحساسة
لأن الحظ يسقط القوي
فلتبكوا جميعا معي


هذه المرجعية الفوقية المستلزمة للاتصال بين ما هو أعلى و ما هو أسفل , انزلت على شاب امي في غار اصطفي بين مئات المرشحين الذين كانوا متشربين بالتحنث بناءا لنفوسهم بالتحنف تمييزا ما امكنهم للعناصر البشرية التي خالطت هذه المرجعية الأصلية في الديانات و الرسائل السابقة من ديانة هرمس الى ديانة المسيح..المرجعية اللازمة لتوطيد ذلك النظام الديموقراطي الذي نشأ و تطور من اثينا الى الامبراطورية الرومانية الديموقراطية الحديثة و التي كانت قد انجرفت الى استبداد الأقلية باسم الأغلبية ..فكانوا جميعا مثل هذا الشاب متشوفون للوصول لحل لهذا الوضع المتأزم الذي اباد الحريات و الحقوق و اعدم حكم القانون و سيادته و نشر الظلم و الطغيان..لكنهم ايضا كانوا -على خلافه- ينتظرون شرف هذا الاتصال الخارجي و لم يحصل كثير منهم فيما يبدو ما حصله هو داخله من كمال صورة الأمانة السابقة في جذور قلوب الرجال على حصول الاتصال و التي ابت حملها كل عتاة البرمجيات التي لا يطيق هو نفسه لا خرقها و لا بلوغها طولا ..فحسدوا الفتى الأمين اذ لم ينالوا سعيه و لا أمانته و قال قائلهم لقد زرب ابن آمنة اذ قال ان لا نبي بعدي..تلك الامانة الناتجة عن التدافع الداخلي الجامعة لكل تلك لتلك القيم القائمة على الصدق و من النموذج الداخلي المنتظم تخرج لتنظم بالنظام و التقنين النموذج الخارجي منتجة نفس القيم الداخلية الخارجية لتكون القيم الخارجية السائدة و التي لا مخرج من بثها سننا في الجماعة محافظة على الاثنين كضمانة في كل وقت للمبادئ المرجعية لأي نظام يضمن التعايش السلمي بحسب الامكان و بحسب متطلبات الحاجات التي تخلق مع كل تقدم هذه اللعبة الدنيا مقدما مفاهيم و قيما و اخلاقا للنظام الانساني قديمة بقدمه لم تتغير و لم تتبدل و انها لفي الصحف الأولى كما تحدى من تحدى البشر جميعا بها
يوريكا....ذلك النداء الذي رغم كونك تحسه غضا طريا لما تحسه من هيمنته على كل ما سبق و تنقيته له من التحريفات و الاغلال و الزيادات البشرية التي اضيفت له من تفسيره بنظرات طبيعية وضعية مادية بشرية من قبيل نظرية الكوسموس و الأفلاك السبعة و المنتشرة في ديانات العالم القديمة التي كان اهلها يرونها انذاك من العلماء الطبيعيين و الالهيين على انها الحقيقة المطلقة الثابتة التي فرحوا بها و بما لديهم من العلم منها و التي تمثل مظهرا جليا للاستبداد الانساني و جعله الحقيقة الكلية للدين خاضعا لتصوراته التي يسميها علمية حصرا اما نفيا او اثباتا لموافقتها للحقيقة الكونية التي يراها هو من باب الفرعونية العلمية لا اريكم الا ما ارى و جعلت حتى المخلصين من الطرف الآخر يعادون الحق الذي ما زال فيها فظلم العلم و الدين معا على مر التاريخ من الطرفين ... فهذا النداء الطري الغض رغم ذلك تحسه قادما من اغوار التاريخ و الوجود الانساني لكلامه عن شيء تراه في كل رجوع لبصرك كرتين و مرات اينما وجهته في هذا النظام المحيط بكل ظواهره الثنوية المتقابلة المتضادة من شمس وقمر و نهار و ليل و سماء و أرض و فجور و تقوى.... متضمنا للصحيح و النافع من جميع الكتب السابقة في المجتمعات المتفرقة مما سيوجد مصداقه في الكتب الغابرة رغم اندثارها عند اهلها فضلا عن استحالة وصولها الى جزيرة العرب المعزولة القاحلة من اي علم و فن فضلا ان يجمع شتاتها رجل عالم واحد فضلا عن أمي لتفرق هذه الحكمة و اندثار اغلبها لتخرج حكمة واحدة متجانسة متوافقة بيضاء غير مختلفة
معطية الجواب للذي سيعطي الامتياز في هذا الصراع القديم الجديد في القضية الشرقية الغربية و تنافسهما في الوصول للنموذج الأمثل و احتياج هذا النموذج للمرجعية الأعلى ..معطية المعادلة المفسرة لكل شيء معادلة جمعت اسرار الكون في كتاب و اسرار هذا الكتاب في سبع مثاني و هذه السبع في سورة مثنوية من هذه المثاني و هذه جمعت في آية و عبارة واحدة, شفت عن السؤال الجوهري في الفلسفة و العلم القديم و الحديث عن اصل كل شيء و سر الخليقة و صنعة الطبيعة و الذي كان نهاية مسائل المتسائلين في مباحث اصل الطبائع و العناصر من الفرق و الجمع و الوحدة و الكثرة من هيراكليتس و سقراط الى أغسطين و الغزالي و ابن تيمية مرورا بديكارت و نيوتن الذي اغرم باللوحة الزمردية حتى تولى ترجمتها وصولا الى تورينغ و غودل و انتهاءا باصحاب المسرع الذري السويسري..جواباجامعاينسخ و يكمل بالحق كل الباطل الذي لحق الأجوبة الناقصة السابقة في سلب و ايجاب و نفي و اثبات و عبودية ...و كيف لا:الخلاص..فمن هنا يبدأ الاستقلال :



وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا

يوميات حائك : اكستراس


اكستراس




في كلية العلوم في العاصمة...مكان الصلاة جميل..بسيط...حصير مفروش في الممر ...لم احب النهوض بعد التحية ليس فقط لتأمل بناية الكلية الجميلة و النظيفة بل لتأمل الحديقة الجميلة الموازية للممرات ذكرتني على بساطتها بالحمراء...زاد اطمئناني ما اراه من الشباب الملتزم القائم بشؤون الطلبة...عجيب كيف ان كليات العلوم عندنا يغلب فيها طابع الالتزام بينما يغلب طابع الالحاد على كليات الآداب و العلوم الانسانية ..عكس نظرائها من كليات العلوم في الغرب و كليات الآداب...مع ما تلح على اذاعته الدوائر الأكاديمية و الفلاسفة قديما من ان الاسلام دين ادبي و معجزاته ادبية و انه يستولي على اتباعه فقط حين يكونون محبين للخيال و بعيدين عن البرهان المجرد و الحقائق العلمية الموضوعية ..الا يكفي هذا دليلا من دلائل شيخنا المقدسي في ان الاسلام دين عملي يعطيك فقط ما تحتاجه مما يوافق مسيرتك الكونية بلا تفريط و لا افراط؟؟؟؟ فكلما نزعت نفسك الى العلمية و الموضوعية و الواقعية و البعد عن المجازفة و المبالغة و التعميم الا ووجدت الاسلام اقرب اليك؟؟؟
هذا جعلني أفكر أثناء الجلسة اللذيذة في يومية اليقين و الصبر مرة اخرى ...قديما كنت امر على تفسيرات السلف لمثل آية عرض الأمانة و مثل آية الباقيات الصالحات...... و قولهم في الأمانة...و قولهم في الحكمة ...فاجد ائمة الصحابة يفسرونها بأنها لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله او انها السنة او امثال ذلك....فأقول في نفسي: هذه كلمات...مجرد كلمات...جوست ا ووردز..لا معنى لأن تقارن باشياء مادية و براهين عقلية تؤدي الى اجوبة الأشياء...فالكلمات ليست الا انشاءا...و اقول افضل قول من قال انها العقل من المتأخرين ... و احسب القائلين في نفسي من الصحابة مبالغين يحاولون فقط ان يثبتوا قيمة التعبدات الدينية في نفوس الناس و ان كانت هذه لا تعلل حسب ما استقر في نفسي من مذاهب متأخري الأصوليين... و لم اكن اعلم انه يلزمني ان اموت اكثر من مرة لكي ادرك بعض ما ادركوه من قيمة و قوة و حسم الكلمة الطيبة...و جوامعها...و كيف تنزل في جذور قلوب الرجال و تنزع منها و اثر كل ذلك في افادة العلم و البرهان و اليقين...و الصبر 

VI - يوميات حائك : الصبر و اليقين 2-2

أصحاب العربية جنّ الانس ... يبصرون ما لا يبصر غيرهم
محمد ابن ادريس الشافعي





الصبر و اليقين
الجزء 2







هذه المقطوعة ذكرتني بقول ما من قول العرب لا أتبين قائله بقدر عدم تبيني الطريق بين هذه القطرات المتتالية و المتواترة اكثر فأكثر..فضلا عن الظلمة....الظلمة في أزقة هذه المدينة العتيقة...باختلاطها مع الأضواء ..تضفي تشابها أكبر على صور هذه الأزقة الضيقة..لا أدري كيف يدرك دماغي الفروق مع كل هذه الظلمات المتناثرة في أركانها خالية من دليل الا ما كان من احساس أني قد كنت هنا بالأمس..مررت من هنا..احساس يقودني كأرنب أليس الأبيض بين الجحور ....احساس بالوحشة يغمرني مع استغراق في هذا الحال....تذكرت البيت العربي ألان..

وأرواحنا في وحشة من جسومنا .*** وحاصل دنيانا أذى ووبال

أي الطرق أخصر الى البيت؟؟..احتار دانشمند بين أربع طرق أخصر الى ما سماه المبادئ اليقينية الأولى...فاختار اقربها سبيلا و صراطا مستقيما الى هذه المبادئ الأولى او ما سماه الأوائل الفطرة..ما أدى به تلمس شطائر النبوة فيه ليشتغل بالحديث في آخر أيامه و يموت و البخاري على صدره...هل كان للفتى التيمي الشافعي الذي جاء بعده ان يوافق نفس مصيره لو كان قبل عرض الكبرى؟؟
ما اليقين ؟؟ سأل الفتى الشيخ...فأجابه الكبرى بنفس ما وصف به دانشمند اليقين في رائعته ..و فصله الفتى الحراني في رسالته في طرق العلم الالهي و التي هي كالحاشية عليها:
واردات ترد على النفس تعجز عن ردها...
أكان ممكنا ان لا تتأخر عودة الفتى التيمي كل هذا الوقت...كما لم تتأخر عودة صاحبه المعتزلي فصرح بعد حين انه يرى ان الحق ما يقوله أهل الحديث المشبهة ..لولا تلك الظلمة التي ملكته و لم يجرؤ على تفكيكها كما جرؤ على ذلك فخر طوس و عالمها..فأودت به كما أودت من قبل بدانشمند الى تراث الصابئة من عبادة الكواكب و النجوم السيارة برهة من الزمن قبل ان يقلعوا....
طينة الظلمة هذه كانت قد تسربت على حد قول السهروردي الزنديق..من أيام أتباع فيثاغورس...حتى اختلطت بماء أتباع هرمس الهرامسة ...هذه المحاولة لزرع الفكرة الأولى...من فارس القديمة و مصر الهلينية و على الخصوص من الهند السنسكريتية..أثارت موجة من المقاومة بين ورثة العلم النبوي غير مسبوقة لم تثرها آلاف الأفكار الادارية و الاقتصادية و العلميةالأجنبية الأخرى التي تقبلت بدرجات متفاوتة في الدولة الحديثة النشوء....و لم تزل هذه الظلمة تتغلغل في الناس بسبب عوامل البذخ و ما تنتجه من الفراغ و بالتالي الفرج ...الى أن صارت سرطانا تصيب شظاياه المظلمة الصفوة ..و حتى سيطر على المشهد الايماني الفكري العلمي داء الأمم و مع عامل الوقت...فقد أخذت فيهما هذه الظلمة خطوة خطوة حتى أتت هذه الأرضة على منسأة الفطرة فيها.
-شكرا
و دعني الكسيح بابتسامة بعد أن تركته أمام باب المخبزة حيث اعتاد السؤال...
واردات ترد على النفس...واردات ترد على النفس..هكذا قالها الكبرى واستحسنها الفتى التيمي...و لكن لم يجرؤ على ما جرؤ عليه دانشمند..ترك الرياسة و العلائق...البحث عن الحرية ...اخترت طريقي مخترقا حي اليهود ..بدأت أحس باقترابي من البيت مع ازدياد واردات تفاصيل صور الأزقة من خلف الظلمة...و بصيص النور ..كلما اقتربت كلما كانت الأزقة الأكثر ارتباطا بذكريات الطفولة تتضح و قل اعتمادي على ثنائية النور و الظلمة للاهتداء لطريقي...من أغمض مناطق العمليات الخاصة في أدمغتنا هي هذه الذاكرة..و ان كان تنظيمها مشابه نوعا ما للتنظيم في المجال الحاسوبي...لكن تعقيده وارتباطه بالذكاء و العلم و الاحساس ما زال يثير فضولي ...ارتباطه بالمعلومة في الأساس...كيف يتم نقل المعلومة الوافدة من العالم الخارجي الى منطقة الذاكرة البعيدة الأمد في شبكة العصبونات...عن طريق الال طي بي...فهي شبيهة الى حد كبير بطريقة البرمجة عن طريق التردد او الترديد بالصفر و الواحد ...نظام العد الثنائي الذي اخترعه لايبنز في محاولة منه لتشكيل تطبيق صناعي لعالمه المونادولوجي الغيبي...كون مرقم كما يقول ...او كما قال فيثاغورس قبله بآلاف السنين...كون رقم و نغم...
هذه الطريقة من طرق تفعيل الذاكرة الانسانية ...يبدو انها ستحتل نصيب الأسد في تفسير انماط السلوك الانساني تعليما واكتسابا منذ اكتشافها القرن الماضي .و ربما تبتلع بعدها الجزء الأكبر من ظواهر الوعي ..فتكرار المعلومة انطلاقا من تكرار صورها مرات و مرات...يؤدي لأذرع العصبونات الى سلوك مدهش حقيقة..و المدهش فيه ليس تشديد نقط اتصالها أكثر فأكثر كلما ازداد التكرر وورود واردات المعلومة....و لا حتى انتقالها بعد ذلك الى استخراج اذرع أخرى و تشبيكها لضمان حفظ أطول للمعلومة تحت تأثير و تحفيز الأنزيمات فيما يشبه التفاف اغضان الشجر حول بصيص من الضوء تناله..بل المدهش ان تستعمر هذه الجحافل من العصبونات مع ازدياد التكرار مناطق وظيفية أخرى عند جاراتها...و تستخدمها لدعم وظيفتها فيما يشبه استعارة مقرات الدولة بين الادارات المختلفة اثناء الأزمات...حتى يصل الأمر مع توالي المدة الى ان يصبح قريبا من الطبع..و يصبح اتخاذ القرارات المرتبطة بالمعلومة يكاد لا يحتاج الى تفكير....القرار...قرار انعطافي الذي أخذته الآن للدرب الأطول لعلم ان الدرب الأخصر لا تدخله شاحنة النفايات كثيرا لضيقه..و كلما ازدادت الواردات من معلومات القضية ازدادت نقط الاتصال و تكرارها و متانتها بين أطراف العصبونات..و ازداد بذلك اليقين الذي لا يحتاج لترسخه الا الى وقت...الى الصبر...
لهذا ربما كان النهج القديم يصر على اهمية التكرار في الحفظ و اهمية الحفظ لتحصيل العلم في المنهاج الدراسي القديم ككل و عدم الاكتفاء بمجرد الفهم...ربما الآن يعود اختصاصيو علوم التربية الآن لاعتباره بدل تركه لمتطفلي علوم البرمجة اللغوية العصبية...و تلك القصة الشهيرة التي رواها ابن الجوزي في الحث على حفظ العلم ...عبارات مثل قول ابن معين : لو لم نسمع الحديث خمسين مرة ما علمناه...و غيرها مئات من العبارات كانوا يحثون فيها الطلبة على حفظ أمهات المصنفات بالتكرار...و اهل الكلام و الرأي يسخرون منهم و يسمونهم بزوامل الأسفار..يا لمقولتك يا فاروق : أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم أن يعوها وتفلتت منهم أن يرووها فاستبقوها بالرأي...نهج آخر من المناهج التي يجب ان ينفض الغبار عتها في مناهجنا التعليمية..ففعاليته ظاهرة في الحق كما انها كانت ظاهرة في الباطل من ايام غوبلز و مبدئه في خلق الرأي العام بالاعلام..
- حدد قدر التعبئة يا سيدي
مددت له بسرعة المال...فيبدو ان هذه الليلة ستحتاج الى أكبر قدر من الرصيد ..فيبدو ان الكلمات عبر الجوال لن تنتهي...خرجت من الكشك الى قطرات الغيث مرة أخرى...و قطرات المعلومات...و قطرات العلم...لهذا النوع من العلم الحدسي تشوف دانشمند للوصول الى الفطرة...فقد علم ان كثرة التعرض لأنواع الحقائق الصحيحة في ذاتها يورث علما أقرب ما يكون الى اليقينيات الأولى...و علم بلا شك أن ان الحقائق في نفسها معلم...أن ان تقبل الحق نفسه يورث ابصارا و معرفة بحقائق أخرى..في شبكة من حقائق مثناثرة في الوجود كتناثر شبكة العصبونات المستقبلة لها...لهذا كان الأعرابي قديما مع عريه عن علوم النحو لا يلحن...و ان لم يعرف براهين النحو لكن لسانه ما كان يستطيع غير الحق من الاعراب...و لهذا في الفقه انتشرت عبارات مثل فقيه البدن..كناية عمن دخلت تفاصيل و دقائق معلومات الفقه مع نفسه العاقلة حتى التحمت ببدنه فصار عالما به بوجوده هو نفسه...و مثله في المحدثين ما حكاه ابن رجب من تراجيديا تناقص العلم بالعلل...فذكر ان كبار العالمين بالعلل كان يعرض عليهم الحديث الظاهر الصحة فيحكمون ببطلانه دون تفكير دون ان يعلم احدهم بقول الآخر فيه ..فان فتش وجد كما قالوا...حتى قال السائل: أشهد ان هذا العلم الهام...
مثل هذا النوع الراقي من العلم يجده الأطباء و الفيزيائيون و المهندسون و غيرهم ممن يتعاطون العلوم التطبيقية ...اذ قد تعرض عليهم حالة تبدو لغيرهم صحية و سليمة جدا...لكن لخبرتهم و توالي صور الحالات عليهم يرون ما لا يرى غيرهم و احيانا بدون ادنى تفكير...فيدركون من الخلل في البحوث او الدراسات او التشخيص ما لا يراه غيرهم بالمنهجيات العلمية المنظمة...

-كيف يكون ما لايدخل بسهولة تحت التعبير اللغوي افضل و اكثر افادة لليقين مما يدخل تحت المنهج و التنظيم و التعبير؟؟
-يا هماز ...تعرف ان اللغة و البيان هي بحسب القدرة...و ان الأقدر على العلم يكون أقدر على البيان و التحكم في اللغة الا لعارض...

فعلا...مع أني مللت من الاستماع اليهما...لكن ارتباط المعلومة باللغة في افادة القوة امر ملموس..لا أريد ان افكر الآن في مسألة الكلام و خلق القرآن...لكن ما يحدث الآن هو تفوق ظاهر لشباب الفايسبوك في امتلاك أزمة البيان الهندسة الواقعية للكلمة ..على نوع البيان الذي يمتكله النظام في مواجهتهم لمحاولة ابقاء الجموع ما أمكنه في حلمها الوردي الذي صنعه لها...البيان و التحرر...الرحمن علم القرآن..خلق الانسان ...علمه البيان...يا لغبائك يا جابري رحمك الله على أي حال...لا أحب ان أسلبك حظك من نفسي من الرحمة فكيف بحظك من رحمة الله...

فاللغة سواء كانت رموزا او حروفا او ارقاما تكمن أهميتها بلا شك في استحالة الوعي بالوجود من دونها...هذه الاستحالة التي أدركتها بشكل كوميدي مضحك المدرسة الوضعية حين حاولت الاستعاضة عنها و عن مطباتها باختراع طريقة تفاعل جديدة مع الوجود..فوضعت صفخات من الرموز لتفسير كلمتين عبرت عنهما اللغة ...رفعوا الراية البيضاء متأخرين..لكن ما لم يتأخر ظهوره ..ان اللغة قيد لا فرار منه لمن يريد هندسة اي معنى للوجود...و ان تاخر بعدها كثيرا ان ينتبهوا ان الوجود نفسه...انما ينبني صورته في الوعي باللغة كما ان هندسته او بالأحرى برمجته لغوية لا تختلف عن بقية البرمجات.....كون بني ...بكلمات...او بكلمة...مشكلة اللوغوس...و كلمة الفطرة .كون.مفطور...فطر السماوات و الأرض...او على حد تعبير الألماني المخترع لأول حاسوب...أن الكون ما هو الا سجن حواسيب عملاق...علمه البيان...الشمس و القمر بحسبان...بحسبان

- و ما ادراك ان منفذا ما غير موجود..أي كون لا نهائي او ربما لا نهائية في العد
-ان استطعتم ان تنفذوا...فانفذوا...اينما تكونوا يدرككم الموت يا شاطر.....فالعمليات الفيزيائية و الكيميائية لكل العناصر الحية في الوجود تحكمها قوانين الترموديناميك..والقانون الأول يقول: أن مصيرك حتمي الى الفناء..و القانون الثاني يقول : أنك لن تستطيع التحكم بمصير الطبيعة فكيف بمصيرك أنت؟ و القانون الثالث يقول: ان مفارقة الطبيعة و الهيمنة عليها مستحيل...و القانون الرابع يقول: لا مفر لك أبدا من هذه اللعبة...

يبدوان مصممان على ادخالي في نقاشهما...و ان كان علي أن أعترف انه في الصميم...فمشكلات البرمجة لغوية كانت او رقمية او ايحائية لأي عملية تقتضي معالجة ما في الحياة من ارادة و حركة...مصادرها تجتمع في شق الفضاء او المكان لتقدير حجم الذاكرة و في شق الزمان لتقدير عدد الخطوات لكي تحل الاشكال و من ثم تحديد الخيار الصحيح بين الايجاب و السلب..الاثبات و النفي...الزقاق المظلم لكن سكانه من معارفي..و الزقاق المنير لكن رواده منكرون...أي خوارزمية يمكن ان تبرمج مراجعة لاحتمالات الخطأ و الصواب لا بد ان يبقى بسبب محدودية تلك المصادر قدر من الفارق الزمني لكي تتمكن نفس البرمجة من الحصول على الاجابة بالخطأ او الصواب ..و كلما كان حجم المعالجة أكبر زاد حجم الفارق..ما يطلب من المبرمج قدرا اكبر من الاحاطة للقدرة على البيان بلغة البرمجة...و من هنا كانت تراتبية العالم و الأعلم منه او المبرمج و الأكثر قدرة على البرمجة منه...و من هنا لانهائية الكلمات...و من هنا كانت كل المعلومات المبرمجة في الكون على شكل كلمات امر ...كان تلمسها و استشعارها كما تستشعر لوحة الكترونية لمسبار النفايات الكونية..أقوى من مجرد ملاحظة العلاقات بينها.في التغلغل الى الفطرة او رقاقة البرمجة الأولى..سمه حدسا او كشفا او ذوقا...لكنه متضمن للنظر العقلي و لا يضاده..و ان كان اصعب في التحكم و الملاحظة لكن اثره اطول و أقوى كأثر النقل بالتواتر...و لهذا كان نظرية المعرفة الاسلامية صلبها علم الحديث القائم على ان التواتر سيد الأدلة...و لهذا قال احمد انه ان لم يكن اهل الحديث هم الطائفة المنصورة فلا أدري من يكونون ؟؟ و لهذا لم يستطع هؤلاء الفراعنة الجدد ملاحظة الرياح المتواترة التي هبت على مدى عقود و عقود على شعوبهم من كل الجهات حاملة واردات خفيفة ليست يقينية في ذاتها لكن بمجموعها هي أقوى من سلطتهم المعرفية على شعوبهم التي ما عاد ممكنا تسيرها بنفس طريقة عقود عبد الحليم و ام كلثوم...

لكن المشكلة كيف تنتقل رياح هذه الكلمات او المعلومات او الواردات او الشيفرات او سمها ما شئت من الكون و الوجود و الواقع حتى تصل الى الوعي الحدسي المعاش عبر لغة برمجتها في المستوى الأساسي؟

- ان كان هذا الحدس موجودا عند المحدثين ايضا ..فما الذي يميزه عن الذي عند الصوفي...هذا سيجعلهما في نفس القدر..

نعم ..ذكرتني بالمحدثين و علم العلل ...حين سألهم من ادهشه اتفاق كلمتهم على رد الحديث الظاهر الصحة...فأجابوا: لا ندري...لكن نرى للحديث الباطل ظلمة و نرى للحديث الصحيح نورا...
من بعيد أغشى عيني ضوء السيارة الشيفروليه ناظري...يبدو انهم فرحون بالحدث...فاستخدامهم لنور السيارة ايقادا و اطفاءا دون صوت ...مشعر بحب الاحتفال الصامت بحذر...نعم...النور...الضوء...كيف لم أتنبه لهذا من قبل؟؟ انظر الى كم المعلومات التي وصلت بقدر منضبط من السرعة بمجرد اطفاء و ايقاد لضوء...
اطفاء ايقاد..سالب موجب...صفر وواحد...ظلمة و نور...نفي و اثبات..لا اله..و الا الله...تناغم البرمجة و المعرفة و الذكر..فذكر..ان الذكرى تنفع المومنين...فبرمج.....و النور او الضوء هو الجامع بين مظاهر الوجود المعرفية....
المعلومة/الكلمة....المادة /المقدار... الطاقة /الارادة
ففي نسيج كالسجاد الممتد الذي تبدو فيه الأرض كحلقة ملقاة في أرض فلاة...و هندسته المتكاملة منذ القدم بتداخل القوى الثلاث التي بها قد امسكت السماوات والأرض ان تزولا...الجاذبية الكهرومغناطيسية و النووية...يبدو النور او الضوء..المرشح الأكبر للعب دور القاسم المشترك بينها جميعا...دور الحبر الالكتروني الخفي الذي يكتب به قلم الخلق ...ليس غريبا انهم منذ مدة ليس بالبعيدة توصلوا في جامعة هارفارد الى تحويل المادة الى نور و النور الى مادة...او بتعبير المشرفة على هذا الانجاز الصامت غير المسبوق : نستنتسخ المعلومة من الضوء الى المادة دون ان نفقد الطاقة خلال هذه العملية.....
ضحكت كأحمق في الزقاق لم يثر استغراب أهل الحارة ....فقد سبقت أمثالها....نعم ..يبدو واضحا الآن....لقد كان واضحا منذ الجدال الكوانتي في ماهية الضوء اهو موجة ام فوتون...كان يحتاج فقط الى اثبات تجريبي...و ان كان في جوهره لا يختلف ما اثبته علم البصريات الالكتروني في قدرة الضوء النادرة على نقل المعلومات عن ما ذكره ابن الهيثم و اضرابهم في فلسفة علومهم...بل هذا هو الذي يشاهده كل اعرابي و هذا البائع و كل الناس حين يتلقون المعلومات يوميا مع كل انفتاح لأعينهم...ربما لهذا وضع رمز حورس رمز العين في هندستهم لقمة الهرم الوجودي الفرعوني الذي يظن هذا الثمانيني انها ستدوم له منها ما لم يدم لهم....و كذلك عملية النقل...لا تختلف في جوهرها عما يصل الى جميع آلات المعرفة فينا من الحدس الى العقل الى الحواس من آثار اللغة و الترميز عبر خصائص الضوء..لا يزيد في شيء عما أثبته الخوارزمي و أتباعه من خصائص التشفير على منطق الجبر البولوني في البرمجة البسيطة....
في كل هذ النسيج من النور...من المنطقي جدا ان تكون نفط الاتصال من المصدر و المنبع عند هذا النسيج هي الأكثر كثافة ...هي الأكثر اشعاعا بالنور...و بالتالي أكثر كثافة معلومات و أكثر مادية و اكثر طاقة....و بحسب القرب من مراكز النور / المعلومات/ الاتصال هذه ...يكون القرب أكثر من الصواب و البعد أكثر من الحطأ في نسبية متكاملة تراعي جميع ابعاد المعرفة بما فيها بعد المراقب...فقط يجب العثور على جهة هذا المركز.للوصول الى ما يوافق الرقاقةالأولى المعبئة بالمقدمات الأولى..أو بعبارة أخرى فطرنا عليها ...لهذا كانت كلمة السلف قوية : مصادر المعرفة اليقينية هي فقط الفطرة...و الوحي.....هما كقطعتي البوزل...واحدة فارغة و الأخرى توافقها..و حياتك هي لكي تبحث القطعة عن مكانها..
يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا
نورا...و البيان و اللغة...قفزت صائحا دون شعور في دهشة من المارة المسرعين...أنزلت قبعتي بخجل و تابعت طريقي...
انا انزلنا التوراه فيها هدى ونور
واتيناه الانجيل فيه هدى ونور

الحمد لله....كما افتتحت السورة الوحيدة التي أنزلت كاملة و انزلها جملة كبيرة من رسل النور من المخلوقات المخلوقة من نور
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون

-ما أخبث دخولك من باب النصيحة...تسأل عن الفرق بين المحدثين و الصوفية...السند يا روح أمك ..لولا السند يا خبيث لقال من شاء ما شاء...

أحسنت ...هذه المرة ضربته ضربة قوية..نعم المرجعية و تجريد المتابعة و الاعتصام بها و نبذ التقليد...تصحيح القبلة الى نقاط النور و كراته القوية الساقطة على نسيج هذا الحلم....مكونة نقط الاتصال بين العالمين...هذا هو الذي يقابل الاستلاب من الواقع بالمرجعية الأصلية ..و تعيد الثقة لعقلك و حدسك و حواسك و من ثم لكل الواقع المعاش...و بدون هذه الثنائية و في غياب احد طرفيها ...تنقطع صلة قوى الادراك في النفس العاقلة بكل الواقع ..او بعبارة بسيطة..الانتحار او الجنون او كلاهما...و لهذا كان قول ائمة الملاحدة و محققوهم ان الجنون آخر مقامات الملحد...
هذا هو الذي أدى بدانشمند الى مرحلته الأخيرة من الاشتغال بعلم الحديث و البخاري على صدره...أيكون الشك الابراهيمي الذي ترقى بدانشمند هو ما جعله يشك أيضا في عصمة الحدس الكشفي كما شك في عصمة الحواس و العقل و توصل الى ان لا معصوم من آلات المعرفة ؟ أيكن تجاوز لايبنز بغروره اللوغاريتمي حين قال ان البرهان العقلي الصحيح ضمانة من ان يخدعنا الوجود ؟؟ ؟؟أيكون أدرك ما فات لايبتنز و سبينوزا من أن النظام المعرفي كما النظام الوجودي ممكن لا يثبت بنفسه؟؟ أيكون سقط على نفس الاستنتاج الذي سقط عليه أحد أصدقاء العبقري أينشتين ...غودل من ان أي نظام رياضي ثابت يستحيل ان يثبت من داخله ما ادى بأرسطو العصر ببرتراند راسل ان يمسك برأسه بعد ان أجهز هذا الشاب على طاغوته الرياضي الطوري الأكسيومي في امتلاك الحقيقة؟؟ مثبتا ان اي نظام رياضي ممكن لا يمكن ان يكون ثابتا و كاملا في آن...وهو ما أثبت أن أوروبا بقضها و قضيضها أساءت تقدير ابتسامة موناليزا ديكارت؟
أكان دانشمند في آخر حياته بهذه الجرأة النيتشوية من التعالي على كافة الوجود الممكن ليبحث عن نقط اتصال من خارج هذا الحلم /النظام /الواقع يثبت بها ؟؟ فألقت به الى البخاري و مسلم و ابن خزيمة و ابي داوود و الدارمي و ابن حنبل و غيرهم ممن دعوا بالحشوية ..و ما نقموا منهم الا ان يقولوا : فوق السماء رب؟؟

هـــــاليلويـــا....هاليلويـــــــــــــا ...ربما هناك اله فوق ...و كل ما تعلمته عن الحب...

أفسدها هذا الجون ورب الكعبة...لم يدرك الفروق التي بنيت عليها القصيدة بين شك و شك و يقين و يقين..فجعلها بنظرة ارسطوية مغرورة درجة واحدة..لاأستغرب اذن ان يـأذن له صاحبها اليهودي بتغييرها..فلا بد أنه علم ان هذا الغالي المغرور لا يدرك ان التفنن في اختراع اساليب جديدة في موسيقى المعازف لا يؤهلك بالضرورة لفهم موسيقى الوجود...
ألا توافقاني؟؟
لم يقطعا صمتهما و كأنهما اتفقا أخيرا على أمر...
لكن انتظر...هذا هو معنى المتجهة المخددة للفرق الجامع و الموجهة لاتفاق النورين : الفطرة / الرقاقة و الوحي/ الاتصال..هذا هو اذن..المباينة...هذا ما كان يبحث عنه دانشمند....و ما ابتغاه افلاطون من الأول...مباينة عالم لعالم آخر يثبته....العلو...هذا ما كان يبحث عنه نعم...العلو...هذا الخلاص مما حرفه أتباع الهرمس المثلث من لوحته الشهيرة: و هكذا يصير ما كان عليا سفليا..و ما كان سفليا عليا...اجهاز على المتجهة التي تحدد قبلة العلم و الايمان معا...ذات ايست...لهذا ركز المحدثون في استنكارهم على هذا الفيروس الجديد على قضية العلو...يـــيس...فأنواع التأويلات البوليسية هي عبث في البرمجة..و الفيروسات ما هي في الصحة كما في البرمجة الا وضع للكلم في غير مواضعه...لهذا تكرر عند الشافعي وهو المعاصر لهذا الاختراق...مثال القبلة الذي بنى عليه هذا الامام نظريته في المعرفة في مواجهة هذا الاختراق الثقافي...ليستحق ابن غزة الصمود هذا لقب المجدد بلا منازع....فول وجه شطر المسجد الحرام ..فطرة الله ..فطر الناس على هذه الجهة...جهة العلو...دليل الكمال....ثم و لله المثل الأعلى..و لهذا ربط الفطرة بالجهة و القبلة...قد نرى تقلب وجهك في السماء...فلنولينك قبلة ترضاها...فول وجهك شطر المسجد الحرام...و أينما كنتم فولوا وجوهكم شطره..فطرة الله ...أعتقها فانها مومنة...

من آيات صاخب الدهر ..أن يكون خروج هذا الرجل بين اهل الرأي و اهل العبادة ...كأن تذكرة لما سيتطور اليه هذا الفيروس/ الفكرة مع الزمن فيهما حتى تبعدهما عن اصل الوحي.. هذا من من عجيب تصرفات صاحب الدهر
رحمك الله يا شافعي...رحمك الله يا ابن المبارك ...رخمك الله ياابن هارون...الآن أدرك لماذا قامت ثائرتكم حتى كفرتم من قال بنفي العلو....كانت اشارة حاسمة على ان هؤلاء و فكرهم هو من خارج منظومة الأمة المعرفية و انهم لا يدخلون بحال في هامش الاختلاف المضمون بين كافة الآراء في الأمة و التي يضمنها حق الرد الى الله وو رسوله...و لهذا نبهوا انهم لم يكن لهم من العلم شيء و لا عرفوا بالعلم و لا اشتغلوا بالآثار و لا لهم التزام بثوابث الأمة ختى تعذرهم في اختلافهم كما يعذر بعضهم بعضا ...لم يتعرضوا ابدا لنور الكلمات التي لا تنفذ ووارداتها التي وحدها توافق الرقاقة الفطرية المبرمجة و وحدها الضامنة للعصمة...بكلام نبيها صلى الله عليه و سلم في مثل ما جاء به و مثل الناس من الحجارة الى الأرض الخصبة... كانت ثورة على ان تسلب ارادة الأمة ....و ان تتحكم فلول الحضارات المعادية لها في خيارات ما بعد ثورتها..من خلال سلب تصورها ...من خلال غرس فكرة...فكرة واحدة في بدايات مسلماتها...و سلب ثمار ثورتها ....و من ثم سلب كل واقعها و حريتها
و الأفظع...سلب أحلامها و حتى قدرتها على الحلم
-و ما الذي يضمن لك ان ذلك الوعد من وراء الحلم ليس الا وعدا من قبيل الأحلام ايضا
- قد قلت لك ان هذا الخناس لن ينته..في ثلاث مواضع من كتابك لا رابع لها ترشدك لكي وريد الجدال معه...يسأل بصفاقة كيف تضمن و كأنك تتحدث عن مخلوق لا عن خالق الحلم و الواقع اي عالم الغيب و الشهادة معا..هذا هو نفس سؤاله السفسطائي الذي يلجأ اليه كلما هاجمه اليقين يصوره بصور مختلفة لكن دائما هو نفس السؤال : هذا الخالق خلق الخلق فمن خلق الخالق؟؟....كل شيء ملكه فلا ظلم و لا حكم الا له و علمه وسع كل شيء فلا يضع شيئا خلاف موضعه فلا ظلم...ألا ترى سؤاله هذا كمن يرى رأسه مقطوعة في حلمه؟؟ماذا تنتظر ؟؟
نعم ما الذي يضمن لي؟؟ هي كلمة قالها لي...من يضمن لي كلماته؟...هنا منتهي الأقدام....و هنا لا شيء الا ما رفعت منه الأقلام و جفت منه الصحف مما لا يعلمه أحد لحد الآن...شقي و سعيد...تذكرت كل آيات الكتاب...هو قال انه ما فرط فيه من شيء...فلا بد أن يكون ذكر أمر سدرة المنتهى هذه...وقفت امام الباب...صمت و سكون و توقف كل شيء...تحركت ابتسامتي...لم تخيب ظني...هذا هو....
حسن الظن...كان دائما هناك...حسن الظن..ما حكته رابعة عن نفسها حين كانت متهجدة فقالت يا رب اتعذب نفسا أحبتك..فناداه الهاتف أن احسني الظن....نعم صدقت يا حي...صدقت يا حي...انها تجارة رابحة...تبيعني يقينا بنفسي و بعقلي و بحواسي و بوجودي كله...و أبيعك مجرد ظن بك...ما أكرمك و ربح البيع يا حي...
الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاه فيها مصباح المصباح في زجاجه الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مباركه زيتونه لا شرقيه ولا غربيه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم ...
-ماذا أنتظر؟؟ فقط أن نصل الى باب البيت..فأنا متشوق لرؤية صور سقوط الفرعون...و أعدك انه سيبيت هذا اليوم أيضا بلا عشاء...

قلت بسم الله ...و أغلقت الباب....و انطلقت ضحكاتنا الشيطانية