في هذه الفتن المعاصرة , يصعب على المرء الخوض في النقاشات حول المبادئ و النظريات الفكرية الاسلامية المرتبطة بكلمة التوحيد التي لم تظهر الحاجة للكلام عليها بعد...فاحرى الكلام في نظريات و توصيفات و عقائد ميتافيزيقية غيبية موروثة في المناخ الاسلامي ربطت طبعا او قسرا بكلمة التوحيد و لم يثبت قط نفعها و لا الحاجة اليها و لم يخرج منها انتاج او ابداع او حتى اصلاح بل لم يخرج منها الا الشقاق و النزاع و الخلاف و ذهاب الريح , لهذا لا اجد الا ان اتناول ما ظهر لي من المبادئ الآنية الحالية الواقعية المعاشة اليومية لهذه الكلمة العظيمة التي لا يعلم الناس رغم بطرهم و غمطهم كلمة جمعت من معاني التحرر و العدالة و الاقتصاد في القول و العمل المكونان لنظرية المعرفة ما جمعت على اعلى مستوى تسقط عند ميزانها دعاوي و ادعاءات كثير من جماعات و تيارات المسلمين فضلا عن غيرهم امتلاك شعاراتهم الحقيقة المطلقة و الحرية ال و بالتالي الخلاص و النجاة ظهر معها تفوق هذه الكلمة لنفسها و تساميها عن ان يدنسها بغرور وكبر ظاهر او خفي ما هم ببالغيه الا ان يكون ما عليه الناس جميعا .....تفوق ظهر باديا في لحظة الانهزام الشبيه بانهزام احد في تفريط المسلمين في كثير من معانيها بينهم سواء من رفع شعارها و رايتها ام من لم يرفعها...ظهر جليا في دعوتين متناقضتين تنحرف عن مقاصدها في دفع التدافع السلمي للمجتمع الى بر الأمان بين سلمية خانعة خاضعة و حربية متهورة عمياء...
السلمية التامة التي تبناها حزب اسلامي ما في الحالة المصرية و قد يسوء المرء كثرة سوء الظنون و كثرة القذف و كثرة المسارعة الى المعاداة و التخوين التي مني بها هذا الحزب القليل التجربة و الجامع لأخلاظ من الأطر و الأفراد غير المرباة و الناقصة للتربية الشرعية و التي كثير منها كانت اكبر طموحها كرسيا للمحاضرة او الوعظ فما لبتث الدنيا ان فتحت عليهم ابوابها فانهالت عليهم فتن السلطة و الجاه السياسي بلا حساب , هذا الحزب له بحسب ما فهمت من متابعته اجتهاد ان المكسب الأول و الأخير الذي يهمه هو المحافظة على الهوية الاسلامية للبلد و ان ادى ذلك في هذه المرحلة الى التضحية بأي مكسب أخر , سواء كان بقاء الاسلاميين في الحكم او تمكينهم او المغامرة بالعملية الديموقراطية و رضا الناس او حتى المغامرة بان يصل حاكم عسكري متغلب و يعتبرون الأصل في هذه المرحلة تحقيق الأمن و الاستقرار و الهوية الاسلامية و ما سواهما لا يعدونه الا لازما لا يلزم , و بلا شك ان في هذا بعض الحق...لكن التوقف عند هذا هو بلا شك ايضا من الخور الفكري و السياسي و ان كان لا يستحق الهجوم و الشتم فضلا عن التخوين الممزق للتقارب و الانسجام الاجتماعي لهذا الفعل الذي لم يصل في ظهوره ظهور فعل حاطب بن ابي بلتعة التي اختلف فيها المعاصرون لضيق حويصلتهم عن استيعاب تنبيه نبيهم صلى الله عليه و سلم على اهمية التناغم الاجتماعي و التدافع السلمي داخله و انه قد يتقدم حتى احكاما نصية شرعية في الأهمية و التقديم, اذ بلا خلاف بين كثير من عقلاء المذاهب السياسية سواء الاسلامية او العلمانية ان الأمن بجميع مظاهره سواء القومي او العقائدي او الاقتصادي لازم من لوازم الحكم برضا الناس و لنا في خطبة عمر عن بيعة الفلتة لأبي بكر خير ملخص لهذه النظرة, اذ هذا وحده القادر على انتاج جماعة متماسكة اذ بانتشار التمثيلية السياسية تنتشر العدالة النسبية المثمتلة في تحقيق مصالح اكبر قدر ممكن من الجماعة , و هذا ينتج الانسجام الذي يقضي في جميع تجارب الحكم المدني على كثير من الظواهر الاجتماعية الظالمة من الفقر و التهميش الى الارهاب و الجريمة المنظمة ...و على هذا قد يبدو للبعض خيار الحزب الاسلامي المنافس هو الأصوب , لولا ان هؤلاء ايضا لاستبطانهم ايضا ما استبطنه كثير من الاسلاميين من اقصاء بقية المجتمع و اعتمادهم على المغالبة و حكم الأغلبية لا المشاركة و التوافق...و التي هي الأساس الذي برهن نجاحه في التجارب الانقالية من تجربة دولة يثرب الأولى حتى الدولة الأمريكية الحديثة ...و تحت ضغط هذا الحزب المسالم اصلا فقط مع المتغلب دون المسالمين له من اخوانه , افضى هذا الحزب الأول في مصر الى تعجل و عدم روية افضت الى تضييع هذا المكسب الأول الذي كان من شانه ان يمنح للناس مدة سلمية كافية ربما لتنتج ما انتجته السلمية الناتجة عن معاهدة الحديبية , اي مكسب الارتباط برضا الناس و الحفاظ على الوحدة الداخلية و تجنب انقسام المجتمع و استقطابه الداخلي ما امكن....

اما الذين يجوزون رفع السلاح فانهم و ان كانوا يتبرؤون من تكفير المجتمع لكن كثيرا منهم يستبطن تكفير الحكام , و هي مسألة انهكت هذه الأمة لعقود و جرت عليها لحد الآن مفاسد : دماءا و دمارا لم نر اي مصلحة كبيرة تحققت وراءها بعد طول مدة ...فبغض النظر عن الاختلافات القوية في هذه المسألة بين الفرق المعاصرة رغم ادعاء كل فريق الاجماع قديما و حديثا على ما ادعاه و هو ما يستحق بالفعل مقولة الامام احمد من ادعى الاجماع فهو كاذب ,فمجرد الاقرار بالاختلاف يؤدي الى النفور عن انزال احكام الكفر و الاقصاء هنا و الاشتغال بها هذا الاشتغال الذي اظهر ان اكبر مفسدة جلبها ربما تكون اكبر من مفسدة الدماء و تشويه الصورة مفسدة تمزيق ما تبقى من الجماعة المسلمة و تفيتيتها , فالاختلاف وحده شبهة قوية مانعة من الاشتغال باحكام التكفير كما ذكره غيرما اصولي مقاصدي كالامام العز و ابن الحاجب و غيرهما ...و هي احكام تشتغل بها الأمة غالبا حين تضعف لحمة جماعتها مع الوقت و لهذا لن تجد اشتغالا للصحابة مثلا بتكفير الخوارج كما اشتغل به من بعدهم , و انما كان همهم سياسة الجماعة و نشر السنة بين الناس المانعة لهم من الوقوع في الكفر و بالتالي تمتين اللحمة المانعة من الاقصاء و التكفير, لكن من بعدهم لما عجز عما كانوا عليه لجأ الى ما هو اسهل و لا يحتاج مدافعة و مكابدة و صبرا كالأول فكفروا و بدعوا و تفرقوا شيعا و هذا تفصيله في كتب المصلحين اللاحقين كالغزالي و ابن رشد و ابن تيمية و ابن خلدون و الشاطبي و اضرابهم...و لهذا ربما كان الحق في وصف امراء اليوم ما ورد فيهم من حديث النبي صلى الله عليه و سلم انهم امراء تعرف منهم و تنكر و التي تمنع رفع السلاح عليهم داخل الجماعة ما داموا يصلون او بكفر عند جميعهم برهان عليه لا أن يكون فقط عند طائفة من الجماعة برهان عليه و تدعي عليه الاجماع , و ما نبهت الأحاديث الكثيرة عليه من ان السيف لا يجر الا الى السيف في هذه الحالة و يقضي على الجماعة , فان اختفت هذه الجماعة المسلمة فلا مناص الى الاعتزال من السياسة كلها و لا يرفع السيف الا في المواطن المتمايزة الصفوف بحسب ما يستشف من هذه الأحاديث فيما يبدو...
فالداعون لرفع السلاح يقرون ان المجتمع مسلم ثم ان سالتهم لم ترفعون السلاح فيبررونه من عند انفسهم بكفر الحكام الذي اجمعوا هم فقط عليه و قد يكون صحيحا و قد لا يكون صحيحا لكن ليس بقدرة احد ان يجعله قول الأغلب بله ان يكون اجماعا, فان جابهتهم بان كثيرا من الجماعة المسلمة هذه بل احيانا نصفها مع هؤلاء الحكام و يؤيدونهم فضلا على ان يوافقوكم على تكفيرهم ابلسوا و ما وجدوا لقضية رفع السلاح الا دفع الظلم و اراقة الدماء مصلحة و مفسدة فان بينت ان نفس النبي صلى الله عليه و سلم تحمل في جماعة كافرة قطعا و ليست حتى مسلمة كل هذا التنكيل و اكثر منه و صبر عليه و اكتفى بالانكار القلبي و اللساني حتى جعل له مخرج و ان النبي صلى الله علسه وسلم حض على عدم رفع السلاح داخل الجماعة و ان الجهاد و رفعه متوجه خارج الجماعة او المجتمع المسلم و تقوم به الدولة حتى ينتظم امر الجهاد و مصالحه و مفاسده اما في الداخل فممنوع و مقبوح و مذموم بمئات الشواهد الشرعية التي تحض فقط على نشر السلام ما امكن و المحافظة على السلام الاجتماعي الداخلي و عدم تقطيع و تمزيق النسيج الاجتماعي , و ان الأمر كذلك الآن و ان الأنظمة الحاكمة تتغول في القمع لعلمها ان الضغط الشعبي الانكاري قد بدأ يؤتي اكله و انها تستعجل رفع الاسلاميين السلاح لتجد حجة لافناءهم كما وجدت في الجزائر و سوريا و العراق و امثالها , لم يجدوا الا العودة في قرارة النفس الى ما ورثوه عن مشايخ و جماعات و مجاهدين اعتقدوا فيهم الطهارة الكلية لكونهم على الثغور ...مع انهم و الحق يقال رغم انهم عنصر لا ينكر فضله في هذه الأمة لمحافظتهم على قوة الشكيمة الاسلامية و ثقافة الفروسية و النجدة الاسلامية و مسارعتهم في غيرما ما موقف الى انجاد المظلومين و المستضعفين في الآرض الذين لم يكن لهم مغيث بعد الله الا سواعد هؤلاء الذين هجروا مفاتن دنياهم , لكن ما هذا بعاصم لهم , فانتشار الاستبداد فيهم و انعدام اي اليات للتشاور و تحصيل رضا الجماعة الكلي فيهم منعدمة ايضا انعداما ظاهرا حتى اصبحنا نرى داخل جماعاتهم نظما تسيرية استبدادية تضاهي نظم الأنظمة العربية و الطرق الصوفية و نجد لدى الأتباع من تقديس الرؤوس و التغالي في المدح و عدم الخروج و النقد لهم ما يضاهي ما كان يعطى لزعماء اولئك و هو ما انتج قابليتهم للانقسام بعد الانقسام و التناحر فيما بينهم و سهولة استغلالهم و استدراجهم و اختراقهم من مختلف اجهزة المخابرات لجمود النموذج المعرفي التدافعي داخليها و سطحيته , فضلا عن بعدهم الكبير جدا عن الوصول الى استيعاب كل فقه الأمة المقاصدي الذي يوصل الى حقيقة السياسة النبوية المغلبة للرحمة مع من كفر بدعوته فضلا عمن آمن بها , و التي لا مقارنة بين كوارث سياستهم من كثرة المذابح و الفظاعات و كثرة المفاسد و قلة المصالح مع ما يعرفه المسلمون جميعا ظاهرا و يقينا من غلبة المصالح المحققة في السياسة النبوية و التي لا تكاد تعد المفاسد التي ترتبت عنها عند المخالفين فضلا عن الموافقين.., ولهذا تجد العوام و ان ايدت كل هذه التجارب الاسلامية في اولها فانها كثيرا ما نأت بنفسها عن التزام ما ادت اليه بعض نتائجها الكارثية لأنها بفطرتها ادركت ان رفع شعار الاسلام و الدفاع عنه سواء بالتزام اللباس او بحفظ الأحاديث او بطلب العلم او بالثبات على الثغور لا يعني العصمة من الفساد و الاستبداد و سوء التدبير و لا حتى موافقة حكم الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم...وهذا الذي ما زال يغيب عن كثير من التيارات الاسلامية تقريبا بلااستثناء التي بدأت دعوتها رفضا للعبودية و تقليد العباد و تحرير الأفراد فما لبثت مع انحصار نظرتها في ما تراه جماعاتها و شيوخها و مجاهديها ان سقطوا في نفس ما كانوا قد قاموا لاصلاحه و تطهيره و كان كل شيء واقع تحت احتمال الفساد ووجوب التغيير و الاصلاح و التطهير الا انفسهم ...و لا ينجيهم من ذلك ما اسدوه و لا انهم اكثر عنصر محتفظ بالفتوة و النجدة و الفروسية و بعض مبادئ العقيدة العسكرية الاسلامية , لكن جر هذا الطابع العسكري الى داخل المجتمع المدني المسلم في علاقاته الداخلية بين عناصره و في علاقاته الدبلوماسية مع الشعوب و المجتمعات الأخرى و التي أيضا تبنى على التعاون و المعايشة و التفاوض ما امكن , هذا يؤدي الى كوارث ناتجة عن استخدام النظرة الاطلاقية السريعة التي يتسم بها العسكريون البعيدون عن المنطق التحليلي المقاصدي الاسلامي في بيئة تحتاج الاستقرار و التأني و الصبر , و لهذا لا يبدو صائبا القول الشائع بان كل عسكري لا يصلح لحكم المجتمع المدني فهذا يكذبه الواقع و التاريخ من حكم قادة سياسيين محنكين كبارا كانوا في الأصل قادة عسكريين و استطاعوا اقامة مجتمع مدني سلمي ذو نسب عالية من الرضا الشعبي , من الخلفاء الراشدين الى امثال نورالدين زنكي و صلاح الدين ووصولا الى القادة العسكريين المعاصرين كجورج واشنطن و شاردل ديغول بل و حتى قادة دول معاصرة بينها اسرائيل نفسها كان كثير من ساستها عسكريين متطرفين بل و ارهابيين بالمعايير الدولية الحديثة... فليس المحذور هو النظر الى نفس الشخص لكن المحذور هو استيراد الطبع العسكري او الشخص الذي يغلب عليه الطابع العسكري الشمولي المقدام , ولعل اوضح مثال يتبادر للذهن مثال خالد بن الوليد سواء في الفترة النبوية او في الخلافة الراشدة.
و المقصود ان من انصف من المسلمين في تشبته بشهادة ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله ...ادرك ان هذه وحدها ضمان حريته الفردية , و ان لا مصلحة فعلا تستدعي ان يضحي بحريته هذه في التاييد الكلي لمقولات اي حزب داخل الجماعة و المجتمع المسلم سواء رفع شعارا اسلاميا او غير اسلامي و عدم التنبه الى ان جميعها وقعت و تقع و ستقع لاحقا بلا شك في اخطاء و بواقع و زلات كبار و صغار تماما كالأفراد, و ان حريته الفردية التي توشك اليوم على ان تكون اغلى ما يملك بعد حياته , انما تتحقق في الالتزام باطار الجماعة كلها او المجتمع كله , و لن تتحقق الا في المحافظة على تماسك هذا المجتمع و سلميته الداخلية و انه المقصود بمفهوم الجماعة التي اكبر سعي لأعداءها الخارجين و الداخليين اليوم من المنافقين بعد ان قضوا منذ قرن مضى باستعمارهم على وجود امام شرعي يمثل رضا الناس : هو الاتيان على تماسك هذه الجماعة التي بقيت و رميها فيما صرحت به السنهم من فوضى خلاقة تفضي الى تقسيم مقسمها و تجزيء مجزءها...هذه الجماعة او المجتمع المدني التي ان ذهبت وتلاشت و لم يكن للمسلمين بعدها امام و لا جماعة فليس على الفرد المسلم المتحرر الا اعتزال تلك الفرق و الجماعات المتناحرة كلها و التزام خاصة نفسه و يدع عنه سياسة و امر العوام....