الجمعة، 6 سبتمبر 2013

I - يوميات حائك : بين عالمين

ملكنا فكان العفو منا سجيــة *** فلمـا ملكـــتم سـال بالـــدم ابطــــح
      وحللتم قتل الاسارى فطالما *** غدوناعلى الاسرى نعفو ونصفح 
فحسبكـم هذا التفاوت بيننـــا *** وكل انــــاء بالـذي فيـه ينضــــــح
حيص بيص






بين عالمين 



الساعة الثالثة صباحا و بدأ الاعداد لتراويح الفجر... و لم يغمض لي جفن ...تفكرت فيما يمكن ان يذهب عني الأرق...اتتبع اخبار الثورات ام اخرج لأدب بالليل و ارى بعضا من آثارها و الناس نيام الى ان يبدأ الناس بالتوافد الى المسجد...لمحت كتاب الله..طال عهدي به فلم اشعر الا و انا افتحه...و سقطت عيني على قصة ابني ادم ....
-أنا سني ...صنعتي حائك.من اغمار الناس...بعد يوم مضن كفيل بارسالي في سبات كسبات اهل الكهف..لكني ما زلت لا أجد الا ما يجده العشاق من السهاد...
قصة آدم تتكرر كثيرا في كتاب الله و بمختلف طرق التصوير الفني على حد تعبير سيد قطب تكرارا تتعدد في ابعاد الفهم و العبرة...و من خبرتي المتواضعة بكتاب الله الشرعي و كتابه الكوني فقهت أنه ما من أمر يتكرر في احدهما الا و لأنه يتكرر في الآخر و تتكرر الحاجة اليه...ربما بشكل يومي احيانا...كان الامام ابن الزبير الغرناطي قد خصص كتابا كاملا نفيسا فريدا في تتبع فوائد امثال هذا التكرار ..لا أدري ان كنت سأجد هذه المرة في لجوئي الى كتاب الله ما يشفي صدري من همين الما بي اليوم و منعني راحة الموت الأصغر...لكن اول ما لفت نظري ان قصة ابني آدم بخلاف قصة ابيهما لم تتكرر ....
نحن في رمضان...ابتليت و رفقائي برئيس في العمل من الذين يستغلون هذا الشهر للانقطاع عن التدخين و الحشيش و ما جاورهما...و الكل لذلك يتحاشاه....دخل في مناوشات مع اغلبية الرفاق...لكن اليوم كنت هدفه الذي لا يريد ان يخطأه...و ما زال الأخذ و الرد حتى افضى الى ان سب ...و تلك غلطة فادحة من اي رئيس قد تكلفه مكانه...الكل ايدني و الكل - لما خلفه في نفوسهم- حضني على رفع الأمر الى الأمين ..الغريب ان مع العودة الى البيت و اجتماع العائلة في ليلة القدر للعشاء ...تشعب الكلام حول الموضوع لا ادري كيف حتى افضى لظاهرة ظاهرة الطلاق ثم عارضتني ابنة خالة لي و استهزأت بي و اضحكت علي الجميع  فلم افعل الا ان عرضت لها بطلاقها و رددت لها الصاع صاعين حتى رأيت القهر في عينيها بين ضحكات الناس البريئة جدا ....
-ـأنا سني ...انا نموذج لملايين الشباب من هذه الأمة الذين افاقوا ووجدوا على كاهلهم ارثا من التخلف لقرون من الظلام و الالحاد و الشرك...لم انم...يبدو لي اني ما كنت اشتكي منه قد اتيت مثله...
أفقت على امة محطمة...على صحراء نفسية و اجتماعية تكاد تخلو من خضرة الأخلاق و العلم و العمل ...افقت و غيري على ارض قاحلة الا من واحات ما زالت تقاوم أورث احباطا و الشعور بالذل و المهانة أبدع برنارد لويس في وصف اسبابه الظاهرة دون ان يصيب في وصف اسبابه الباطنة و التي أبدع في قرع العصا له بسببها ادوارد ذو المسيحية النجاشية....أسباب تفسر تخبط أمة و شرق و أرض منع عنها الغيث لقرون بظلم اهلها و استبدالهم الذي هو ادنى بالذي هو خير...قرون نقضنا فيها غزلنا بايدينا من بعد قوة... حتى اصبحنا نقول: انى يحيي هذه الله بعد موتها حتى نراها اهتزت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج؟؟ طال الأمد و قست قلوبنا على منوال بني اسرائيل كما تفرس ابن عباس بسبب الحادنا فيها بالله و امره و الشرك و الالتفات الى من دونه انتشرت في جسمنا امراض الطمع و الهلع و الشح و الاغترار بالرأي و الهوى المفرط و العجب و كثرة الكلام و شقشقته و قلة العمل و العجز و الكسل فضلا عن اوساخ البدن و قلة النظافة و الفوضى في احوال الدنيا و سبيل الآخرة...افقنا و قد كان الذي بالأمس مهزوما مذلولا قد استقوى بضعفنا و سمن بمبادئنا و نشر في نفسه من اخلاقنا -او بالأحرى ما كان من مكارم اخلاقنا-ما اعطاه من القوة ان يصفعنا صفعة افقنا من العيش في اوهام من كثرة ما استمرأنا خضراء الدمن رغم مقاومة الصالحين الذين كثر عليهم الخبث....فوجدناه بما بث في افراده من العدل و الحرية و القسط و الاقتصاد في القول و العمل المستمدة من تعاليم نبذناها وراء ظهورنا: قد فاتنا باشواط مكنته من رقبتنا و تملك امرنا تملك السيد لعبده ....و علم ان في عودة ارادتنا الأولى هلاك ارادته فحرص على ابقاءها مخدرة ... فبث في جسمنا السنة من بني جلدتنا تتكلم بكلامنا ...اجسامها معنا و قلوبها معه...و علم كما قال الامام احمد ان المعركة الحاسمة هي معركة القلوب لا معركة الأجساد...فامد اصحابه المزروعين في القرن الماضي من الاشتراكيين و الليبراليين و من كان هواه هم بالأموال و الخيل و انواع زخارف القول لاستمالة قلوب الناس الى نموذجه..و انه افضل نموذج اخرج للناس...في نفس الوقت الذي عمل على طمس معالم النموذج الأول الذي سرق منه معالم نموذجه...و نشر جنودا من المستشرقين على مدى مئات الأعوام تعمل على تكريس الايمان في نفوس ابناء جلدتنا بتفوق نموذجه على بقية النماذج بتلبيس الحق بالباطل و اخفاء الحق في نموذجنا حتى تنشأ اجيال على الضياع تستصرخه لينجدها و ينقذها من حيرتها بعد ان يكون خلط الحابل بالنابل و الصق بقيمهم معاني الفوضى و الارهاب و التزمت ...و لا ادل على ذلك من كلمات توني بلير امام الكونغرس الأمريكي في اعلانه عن الاستراتيجية البعيدة الأمد في حربهم على الارهاب الاسلامي : بانه لا يمكن كسبها عبر الجيوش بل يجب ان تكون معتقداتنا آخر أسلحتنا ثم يصبغ على القيم الغربية نفس الصفة التي صبغ بها الأنبياء رسالتهم : قيمنا ليست قيماً غربية بل هي قيم شاملة تمثل روح الإنسانية و ان صراعنا معهم انما هو صراع اسلوب حياة ضد اسلوب حياة آخر...و كان تحدي الغرب هو ان يفرض اسلوب الحياة الأقرب لأمر الله لكن بالاستغناء عن الله...و تحدينا اثبات ان ما يوافق امر الله في كونه لا يمكن ان يستغني عن امره في شرعه..قل ان صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين بذلك امرت و انا اول المسلمين

-أنا مسلم.... ذهبت للعمل ...و في قلبي هموم كثيرة ..يجب ان ابلغ عن رئيسي...داخلي جمر من الغضب لتلقينه درسا ...و الانتصاف منه و اظهار شوكتي و ان اضطررت الى التشريد به ...مررت على بيت خالتي و لم اتوقف عند بابها....فما يكون من امر ابنتها فالكل يعلم سمعتها السيئة في الشارع و لا احد سيأسف لهذه الحادثة و ان افترضنا ان فيها بغي فالبغي التي تقوم به اكبر و هو الذي جر عليها الكلام و من يهن يسهل الهوان عليه...فما لجرح بميت ايلام...

نشأت مع كل هذا الهم عن احوال امتي في نشوؤها و ارتقاءها و سقوطها طوال حياتي... و ثقله يزداد مع كل يوم و المتراكم منذ الصفعة الأولى في سقوط الأندلس...فلم يكن بد من التحرر في كبد من اصرار و اغلال تراكمت علي و على غيري كل هذه القرون حتى استطيع فهم اسباب هذا الصراع....من هنا بدأت رحلتي للحرية

ان كان الصراع و المنافسة و دفع الله الناس بعضهم ببعض هي ما يميز هذه الحياة و يفسر عامة ظواهرها....فلا غرو ان يبحث الآخر عن النصر و الغلبة و تحقيق اكبر قدر من الربح في المنافسة و جلب اكبر قدر من اللذة و استبعاد اكبر قدر من الألم ...و لا لوم عليه في ذلك..اذ هذا حقه من جهة ارادة الله الكونية...فلكل خلوق الحق في حماية بقاءه من جهة هذه الارادة القدرية..لكن اللوم علينا اذ كانت ارادة الله الشرعية التي تهذب هذه الارادة الحيوانية لتهديها ان لا تعلو في الأرض فسادا ..اذ كانت من جانبنا نحن فقط و فرطنا فيها فصرنا الى ما نحن فيه..فكان لا بد من البحث عن اوجه التفريط و لا سبيل لمعرفتها باعتبار مبدأ المدافعة بتتبع المقابلين المعارضين لهذا التفريط فبدأت رحلة البحث بين المتقابلين لمعرفة المصلح المفترض من المسيء ..فتعرفت على اسماء رفع ذكرها بين اقرانها  ...كرشيد رضا  و جمال الدين الأفغاني و بن عبد الوهاب و الشوكاني و الكاندهلوي و ابن الوزير و ابن تيمية و العز بن عبد السلام و الجيلاني و الغزالي و ابن حزم و الطبري حتى وصلت الى بوابة السلف : الفيلسوف الشافعي على حد تعبير ابن حنبل.. كان كل واحد منهم مختلفا تماما عن الآخر بطبعه و النموذج الاجتماعي الذي سجن فيه ...نزاعا من القبائل من افناء الناس و بني آدم من شرق الآرض و مغاربها على امتداد العالم الاسلامي الفسيح ...لكن كان يجمعهم نفس النفور من التقليد و الاحساس العميق بالغربة و الفضول المعرفي الجارف الهم و الحب الجامح للحرية فعلا لا قولا و التعلق بالسماء و الحبل الممدود منها و الشجاعة و الاقدام في البحث عن القيم التي هي فوق الانسانية جمعاء فخرج كلامهم مخرج الخطاب للانسانية جمعاء لا ينتمون فيه لا الى فرقة و لا الى طائفة و لا الى عرف و لا مذهب و لا قبيلة .....كان خطابهم في لبه و مقاصده كونيا ببساطة يرون ما بعد زمانهم مما لم يكن يراه اقرانهم... الذين اخلدوا للأرض و رزحوا تحت اغلال الأوضاع و الرسوم المعيشة...و بخلاف النظرة الشائعة لأمثال هؤلاء لم ار غير كلمتهم اقدر على مقارعة الخطاب الوافد علينا من وراء البحار...كلمة تدين بها العرب فتملك العجم....و ما حسب الأمر في خطابهم ما كان ظاهرا تمام الظهور انهم كانوا متشبتين -حتى انفردت سالفتهم -بحبل الله وحده و الاستغناء عن كل ما سواه متحلين بالاعتقاد الذي كنت احتاجه...ان تكون واعيا تمام الوعي بالحاجة و الافتقار...الوعي ان هذه القيم و مكارم الأخلاق محتاجة و مفتقرة الى الله لتمكث في الأرض...هذه كانت مرجعيتهم التصورية العقدية الموحدة...اما مرجعيتهم التطبيقية التصديقية الموحدة فكانت انهم كلهم يشير الى ان هذا الخطاب الانساني تحقق في افضل صور المدينة الفاضلة واقعية في القرون الثلاث الأولى للأمة و سلفها من الرعيل الأقدم...و الذي حقق من النتائج الحضارية المبهرة و التي امتدت على ثلاث قارات في زمن قياسي لم تعرفه الانسانية قط في تاريخها مذ كانت شيئا مذكورا 
- أنا انسان...انا كباقي اجناس الحيوان...يحكمني حب البقاء...فرئيسي ان لم ادس عليه فسأضرس بأنياب و أوطأ بمنسم ...و من لا يظلم الناس في زماننا يظلم...و كل الأمور في صالحي فزملائي حانقون عليه و لن يترددوا في الشهادة ضده...لا ادري لم تذكرت في نفس الوقت اني لا ارغب في ان تعاملني 

في الجهة المقابلة استغرقت في الخطاب المناقض...كان في ظاهره الرحمة و باطنه من قبله العذاب...كلما مررت من راسل و فوكو الى هايدغر و ماركس ثم هيغل و فرويد و نيتشه فشوبنهاور و داروين و كانت و جون لوك الى ديكارت و الأكويني ...الا ووجدت القوم لابسين نفس الشعار...قيم الحرية و العدل و المساواة و الرحمة و الاحترام و التكافل و ترك الفضول و التعايش و منع القوي من أكل الضعيف و صدق الحديث و اداء الأمانة و حسن الجوار و الكف عن المحارم و الدماء...و كلما بحثث عن اصول شعارهم الا ووجدت من رؤوسهم التسليم الخفي بالحاجة الى تعاليم الأنبياء فيها ...حتى انها في كثير من الأحيان كانوا يصوغونها في قوالب مطابقة لقوالب اتباع الأنبياء....لكن في الباطن كان الاصرار على الاستغناء عن الطريق الذي سلكه اولئك....كان الاصرار على تفسير الحياة بالتدافع فقط...بالصراع من اجل البقاء فقط...بالأنسنة فقط....فما ان كنت اتعمق مع كتاباتهم الا ووجدت تبدل باطن الخطاب عن ظاهره و مناقضته له ...كما قال الحسن البصري ان النفاق اختلاف السر عن العلانية و القول عن العمل...فأجد ان اصولهم تنحو الى تبرير نقيض القيم التي يقولون بها...و تبرر العبودية و الظلم و التظالم و التشاطر و التجسس و فذلكة القول و السفسطة و ان الحق هو القوة و ان لاعبرة في الواقع الا بما يفرضه القوي و لاوجود لشر و لا خير و ان الجانب الحيواني في بني الانسان هو المبرر الواقعي الوحيد لكل أفعاله وكينونة وجوده و ما تبقى كله اوهام يفرق بها بين من يمتلك القوة و من لا يمتلكها....انما هي ارحام تدفع و لا يهلكنا الا الدهر و الدنيا لمن غلبا...و لم يكن هذا فقط من التنظير بل لمسته واقعا من افرادهم و جماعاتهم اذ ظاهر عيشهم الاحترام و الأخلاق...لكن ان اضطررت احدهم الى حيث لا رقيب عليه بظنه لا يلبث يصير سبعا ضاريا اقدر على ارتكاب اشد الجرائم قسوة في سبيل الوصول الى شهوته....لم يكن يمنعني من رؤية ذلك ما اراه من تفوقهم و الانتشار الواقعي لتلك القيم بينهم من اثر انتشار ظاهر خطابهم...اذ لا شك عندي ان كثيرا من وجهائهم و مفكريهم و عوامهم يعتقدون بظاهر خطابهم ظاهرا و باطنا ...فالكلمة مؤثرة...لكن عند احتدام الصفوف و وقت الجد...يصبح هؤلاء قلة فيهم...و يخرج الله باطن خطابهم يظهر ذلك في كل التصويتات و الاستفتاءات التي قامت لهم في الحروب الكبرى و المواجهات فيما بينهم و بين غيرهم من الحروب العالمية الى حروب البترول الى الأزمات الاقتصادية الكبرى...و قد تنبه لهذا افاضل من مفكريهم ما زالوا يتنبؤون لهم بالسقوط ان استمروا على هذا المنوال....و لا شك عندي انه لبقاء نوع هذه القيم المستمدة من اصول الأنبياء من بقايا اهل الكتاب و القرآن فيهم و ان كانت على ظاهر الخطاب ...لا شك عندي انه لذلك امد الله لهم...كما كانت تفسر لي جدتي الطيبة المقابلة لجدتي الأخرى القاسية كما جرت العادة بين الجدات في ثنوية قسوة و حنان قلما تخطئ : حكت لي جدتي ان فرعونا لم يستجب الله لموسى في اغراقه لما كان مداوما عليه من الاحسان في الطعام و عدم تبذيره فلما بذره و قضى على هذه الحسنة اذن الله باغراقه و استجاب لموسى...  لكن في الجهة المقابلة القيم التي ما زال الغربيون يتدافعون و يتواصون بشدة على تطويرها لا اكاد اجدها الا في ظاهر خطابنا بينما كثير  من باطنه جاهلية جهلاء كما وصفها سيد رحمه الله حتى عند الصفوة ممن تدعي العلم و التسنن تخلف فيهم استبدادا و ديكتاتورية طاغية من الشح المطاع و الهوى المتبع و اغترار كل ذي رأي برايه ..في تأليه خفي للذات مناقض مناقضة صريحة للحرية الكامنة في شهادة التوحيد و التي لا تتجسد هذه الحرية واقعا الا بالتزام اطار الجماعة المجتمع المدني كله بكل المسلمين بلا استثناء تدافعا سلميا التي ضمنت له العصمة بان ما راه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و هو الذي فسر  به سيد معنى اهل السنة و الجماعة عنده...و قد عاش البرزخ بين العالمين و فقه كثيرا مما فقه شباب هذه الأيام....و الطريف اني وجدت مع البحث ان سلف هؤلاء و سلف اولئك يتكلمون بنفس المنطق و نفس النقاط و الأصول الفرق فقط في الوجهة التي يوليها كل من السلفين...ربما لهذا كان من المصنفين في صراع الحضارات من يجعل سيد قطب المقابل الطبيعي لليو شتراوس المنظر الرسمي لأصول الحضارة الغربية بالنسبة لصقورها...و الحق للمتأمل في طول الصراع ابعد من ذلك اذ ما منظر لهم ظهر على الخلق الا و في الجانب المقابل على مر العصور تجد منظرا نظيرا له يقابله كمقابلة الداء للدواء...
-أنا مسلم...لاتنفك التوصيات من المحيطين بي هذا الصباح...لقنه درسا...لا ترحمه...وصلتما الى مرحلة اشبه بالقتال في الدوائر الرومانية ان لم تقتله قتلت...لا تتركه فان لم تجهز عليه ستندم و سيعود لأشد منها....نفس التعليقات على نفس الوتر من بعض ابناء العم و الخال: لا تأبه بها فهي اولا و اخيرا لا تعدو ان تكون حصلت على طلاقها الا لتتمكن من ممارسة ما يشاع عنها بلا خوف...

.
و الأطرف اني اجد ذلك الصراع في نفسي بين جانبها الحيواني الغضبي و بين نفسي المطمئنة اللوامة ... و كأن في جرمي الصغير انطوى العالم الأكبر..احدها يأخذ بالقوة فقط و الآخر يدعو جانبي الآخر الى كلمة سواء ..تجتمع فيها القوة و كلمة الحق معا...لا يهدر فيها قيمة السن بالسن كما جاءت بها اليهودية و لا يهدر فيها قيمة العفو و الصفح كما جاءت بها النصرانية ...و الجمع بين الحسنيين في نضوج النفس الانسانية ان النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ..يذكرني بتشبيه ابن القيم لصراع النفس الداخلية بصراع الحضارات و الجيوش مستوحيا ذلك من حديث النبي صلى الله عليه و سلم 
ما كان له ايضا اكثر الأثر في نفسي في اكتشافي لأول اختلاف حدث في الأمة حول الايمان و قول السلف فيه من انه ايمان يوم بيوم...ايمان عملي يشمل القول و العمل ...ايمان يزيد و ينقص...فقارنته باواخر امرنا فتبين انهم ظنوا كما ظن اهل الكتاب من قبلنا من كثرة الأماني الأمية بانهم ناجون من النار و الخسران و متفوقون في هذا الصراع بمجرد الايمان العقدي و التصوري دون العمل ...... فهمت من آثار هذا الاختلاف تحسين نظرتي لنفسي اولا و من خلالها الى العالم و ما يجري فيه... و ان اميز درجات الرمادي بين الأسود و الأبيض..ما اورثني الثقة التامة بتفوق النظرة السلفية للواقع و نظرية المعرفة عندهم على غيرهم خاصة مع سيطرة النظرة الأحادية المطلقة الأرسطية للواقع في وقتهم بين بقية الأمم....تعلمت من السلف ان النفس درجات كما الواقع درجات و ان الايمان بضع و سبعون شعبة ادناها اماطة الأذى عن الطريق ما يفسر لي تمام التفسير ثقافة الزبالة المنتشرة في بلداننا الغنية منها و الفقيرة على السواء...تعلمت من هذا علاقة الجوارج الظاهرة و اعمالها باعمال القلوب الباطنة...او بعبارة اخرى علاقة المسؤولية الظاهرة بالحرية الباطنة...و ان فعل التحرر او فعل الليبرالية يجب ان يشمل القلب و اللسان و الجوارح و ليس فقط كما يسر فقهاء الليبرالية على اعتبار الجوارح فقط...و ان هذه التوليفة الوحيدة بين الحق و القوة ان توصلنا الى قولبتها في نماذج اشهارية تطبيقية كافية كما توصل اليها سلفنا ..فهي السبيل الوحيد لدينا لانتاج نموذج جديد تحرري "ليبرالي" حنيفي سمح ينزع عنا الأغلال و يعطينا فرصة للتغلب على النموذج الليبرالي الغربي القائم على توليفة الحق و القوة ظاهرا و القوة فقط باطنا....بعد ان ظهر في لحن قول الآخر كما في منطوقه انه منذ قرون و هو يجمع خيله و ركبه لهذه اللحظة بتوليفة هي ربما اشد التوليفات تحديا لأهل الاسلام منذ وجد المسلمون و ربما منذ وجدت الانسانية....منذ ان قام هابيل بقتل قابيل و رضي هذا بأن يكون عبدالله المقتول في اول انحراف اجتماعي يجعله علماء الاجتماع و الاجرام الأصل اللاواعي لبقية الانحرافات الانسانية باعتباره منتهاها... يوم لم يكن مفهوم الدولة و لا الجماعة و لا القبيلة و لم يمنع الآخر عن نفسه لا لوجود قانون كما قاله ابن عباس و عبد الله بن عمرو الراجح قولهما بدليل اشاري انه علل الامتناع بالخوف فقط من الله ...فقط انسان..فردانية...ليبرالية على الطبيعة بدون مراقبة قانون الجماعة كما كان يحلم جان جاك روسو...الحالة التي افترضها جون لوك في علاقة دولة القانون بدولة الأفراد..و لم يحر جوابا مقنعا في غيابها عن سؤال : لم يجب على المرء ان يقيد حريته ابتغاء مصلحته حتى كاد يعترف بضرورة الحاكمية الالهية ...هذه الحالة تتكرر في صدامات الأفراد كما في صدامات الجماعات و الدول و لحظة الجد نصل عاجلا او آجلا الى هذه الحالة الأولى حالة قابيل و هابيل فترى القدرة على ارتكاب افظع الجرائم من الدول فضلا عن الأفراد من اجل المصالح سواء كانت مصلحة بدائية من ايام الغنم و الحرث...او مصلحة متطورة في ايامنا ايام البترول و الطاقة...و تختفي فجأة القيم و الأخلاق مؤذنة ببقاءها فقط كمجرد ظواهر اجتماعية الى حين ظهور الحاجات الشهوانية مرة أخرى....و هذا يؤذن بهشاشة فترات السلام في الأرض و قصرها ...اذ لغلبة الشهوات و المصالح على القيم و مكارم الأخلاق فلا بد ان تكون فترات الحروب اطول من فترات السلام ضرورة و هو المشاهد اليوم...و هو بخلاف قصد الرسالات التي ما احلت الحرب على كره الا لمحو اسبابها و ارساء السلام في الأرض و تغلب الرحمة الغضب ...لهذا كان خطاب القرآن للسلف الذين اقاموا حضارتهم في مدة قياسية دون ان يقتلوا آلاف من البشر ممن لا ناقة لهم في الحرب و لاجمل في ليلة واحدة كما في حروب الصليب القديمة ...او قتل ملايين امثالهم جلهم من الأطفال في الحروب الصليبية الجديدة....كان خطاب القرآن لهذا السلف بالأصالة والذي جعل امة وسطا شهداء على الناس:
تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

- أنا عبد الله....اذن انا حر...ان جمعت بعبوديتي بين قدرتي على ندم احد ابني ادم و قدرتي على عفو الآخر...حسمت امري و لم أشا التقدم ببلاغ رسمي للأمين...فقط ما نفعله دائما من الشكوى و التحذير....عند عودتي سمعت تعليقات جامعة بين المزاح و الجد من زملائي من مثل: جبان...ضعيف...غبي...ستندم حين يعود لأشد منها...اكتفيت بالضحك و مسايرة الأمر...فما كان في بالي الا ان اجد عذرا ازور به بيت خالتي . ..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق