أصحاب العربية جنّ الانس ... يبصرون ما لا يبصر غيرهم
محمد ابن ادريس الشافعي
الصبر و اليقين
الجزء 2
هذه المقطوعة ذكرتني بقول ما من قول العرب لا أتبين قائله بقدر عدم تبيني الطريق بين هذه القطرات المتتالية و المتواترة اكثر فأكثر..فضلا عن الظلمة....الظلمة في أزقة هذه المدينة العتيقة...باختلاطها مع الأضواء ..تضفي تشابها أكبر على صور هذه الأزقة الضيقة..لا أدري كيف يدرك دماغي الفروق مع كل هذه الظلمات المتناثرة في أركانها خالية من دليل الا ما كان من احساس أني قد كنت هنا بالأمس..مررت من هنا..احساس يقودني كأرنب أليس الأبيض بين الجحور ....احساس بالوحشة يغمرني مع استغراق في هذا الحال....تذكرت البيت العربي ألان..
وأرواحنا في وحشة من جسومنا .*** وحاصل دنيانا أذى ووبال
أي الطرق أخصر الى البيت؟؟..احتار دانشمند بين أربع طرق أخصر الى ما سماه المبادئ اليقينية الأولى...فاختار اقربها سبيلا و صراطا مستقيما الى هذه المبادئ الأولى او ما سماه الأوائل الفطرة..ما أدى به تلمس شطائر النبوة فيه ليشتغل بالحديث في آخر أيامه و يموت و البخاري على صدره...هل كان للفتى التيمي الشافعي الذي جاء بعده ان يوافق نفس مصيره لو كان قبل عرض الكبرى؟؟
ما اليقين ؟؟ سأل الفتى الشيخ...فأجابه الكبرى بنفس ما وصف به دانشمند اليقين في رائعته ..و فصله الفتى الحراني في رسالته في طرق العلم الالهي و التي هي كالحاشية عليها:
واردات ترد على النفس تعجز عن ردها...
أكان ممكنا ان لا تتأخر عودة الفتى التيمي كل هذا الوقت...كما لم تتأخر عودة صاحبه المعتزلي فصرح بعد حين انه يرى ان الحق ما يقوله أهل الحديث المشبهة ..لولا تلك الظلمة التي ملكته و لم يجرؤ على تفكيكها كما جرؤ على ذلك فخر طوس و عالمها..فأودت به كما أودت من قبل بدانشمند الى تراث الصابئة من عبادة الكواكب و النجوم السيارة برهة من الزمن قبل ان يقلعوا....
طينة الظلمة هذه كانت قد تسربت على حد قول السهروردي الزنديق..من أيام أتباع فيثاغورس...حتى اختلطت بماء أتباع هرمس الهرامسة ...هذه المحاولة لزرع الفكرة الأولى...من فارس القديمة و مصر الهلينية و على الخصوص من الهند السنسكريتية..أثارت موجة من المقاومة بين ورثة العلم النبوي غير مسبوقة لم تثرها آلاف الأفكار الادارية و الاقتصادية و العلميةالأجنبية الأخرى التي تقبلت بدرجات متفاوتة في الدولة الحديثة النشوء....و لم تزل هذه الظلمة تتغلغل في الناس بسبب عوامل البذخ و ما تنتجه من الفراغ و بالتالي الفرج ...الى أن صارت سرطانا تصيب شظاياه المظلمة الصفوة ..و حتى سيطر على المشهد الايماني الفكري العلمي داء الأمم و مع عامل الوقت...فقد أخذت فيهما هذه الظلمة خطوة خطوة حتى أتت هذه الأرضة على منسأة الفطرة فيها.
-شكرا
و دعني الكسيح بابتسامة بعد أن تركته أمام باب المخبزة حيث اعتاد السؤال...
واردات ترد على النفس...واردات ترد على النفس..هكذا قالها الكبرى واستحسنها الفتى التيمي...و لكن لم يجرؤ على ما جرؤ عليه دانشمند..ترك الرياسة و العلائق...البحث عن الحرية ...اخترت طريقي مخترقا حي اليهود ..بدأت أحس باقترابي من البيت مع ازدياد واردات تفاصيل صور الأزقة من خلف الظلمة...و بصيص النور ..كلما اقتربت كلما كانت الأزقة الأكثر ارتباطا بذكريات الطفولة تتضح و قل اعتمادي على ثنائية النور و الظلمة للاهتداء لطريقي...من أغمض مناطق العمليات الخاصة في أدمغتنا هي هذه الذاكرة..و ان كان تنظيمها مشابه نوعا ما للتنظيم في المجال الحاسوبي...لكن تعقيده وارتباطه بالذكاء و العلم و الاحساس ما زال يثير فضولي ...ارتباطه بالمعلومة في الأساس...كيف يتم نقل المعلومة الوافدة من العالم الخارجي الى منطقة الذاكرة البعيدة الأمد في شبكة العصبونات...عن طريق الال طي بي...فهي شبيهة الى حد كبير بطريقة البرمجة عن طريق التردد او الترديد بالصفر و الواحد ...نظام العد الثنائي الذي اخترعه لايبنز في محاولة منه لتشكيل تطبيق صناعي لعالمه المونادولوجي الغيبي...كون مرقم كما يقول ...او كما قال فيثاغورس قبله بآلاف السنين...كون رقم و نغم...
هذه الطريقة من طرق تفعيل الذاكرة الانسانية ...يبدو انها ستحتل نصيب الأسد في تفسير انماط السلوك الانساني تعليما واكتسابا منذ اكتشافها القرن الماضي .و ربما تبتلع بعدها الجزء الأكبر من ظواهر الوعي ..فتكرار المعلومة انطلاقا من تكرار صورها مرات و مرات...يؤدي لأذرع العصبونات الى سلوك مدهش حقيقة..و المدهش فيه ليس تشديد نقط اتصالها أكثر فأكثر كلما ازداد التكرر وورود واردات المعلومة....و لا حتى انتقالها بعد ذلك الى استخراج اذرع أخرى و تشبيكها لضمان حفظ أطول للمعلومة تحت تأثير و تحفيز الأنزيمات فيما يشبه التفاف اغضان الشجر حول بصيص من الضوء تناله..بل المدهش ان تستعمر هذه الجحافل من العصبونات مع ازدياد التكرار مناطق وظيفية أخرى عند جاراتها...و تستخدمها لدعم وظيفتها فيما يشبه استعارة مقرات الدولة بين الادارات المختلفة اثناء الأزمات...حتى يصل الأمر مع توالي المدة الى ان يصبح قريبا من الطبع..و يصبح اتخاذ القرارات المرتبطة بالمعلومة يكاد لا يحتاج الى تفكير....القرار...قرار انعطافي الذي أخذته الآن للدرب الأطول لعلم ان الدرب الأخصر لا تدخله شاحنة النفايات كثيرا لضيقه..و كلما ازدادت الواردات من معلومات القضية ازدادت نقط الاتصال و تكرارها و متانتها بين أطراف العصبونات..و ازداد بذلك اليقين الذي لا يحتاج لترسخه الا الى وقت...الى الصبر...
لهذا ربما كان النهج القديم يصر على اهمية التكرار في الحفظ و اهمية الحفظ لتحصيل العلم في المنهاج الدراسي القديم ككل و عدم الاكتفاء بمجرد الفهم...ربما الآن يعود اختصاصيو علوم التربية الآن لاعتباره بدل تركه لمتطفلي علوم البرمجة اللغوية العصبية...و تلك القصة الشهيرة التي رواها ابن الجوزي في الحث على حفظ العلم ...عبارات مثل قول ابن معين : لو لم نسمع الحديث خمسين مرة ما علمناه...و غيرها مئات من العبارات كانوا يحثون فيها الطلبة على حفظ أمهات المصنفات بالتكرار...و اهل الكلام و الرأي يسخرون منهم و يسمونهم بزوامل الأسفار..يا لمقولتك يا فاروق : أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم أن يعوها وتفلتت منهم أن يرووها فاستبقوها بالرأي...نهج آخر من المناهج التي يجب ان ينفض الغبار عتها في مناهجنا التعليمية..ففعاليته ظاهرة في الحق كما انها كانت ظاهرة في الباطل من ايام غوبلز و مبدئه في خلق الرأي العام بالاعلام..
- حدد قدر التعبئة يا سيدي
مددت له بسرعة المال...فيبدو ان هذه الليلة ستحتاج الى أكبر قدر من الرصيد ..فيبدو ان الكلمات عبر الجوال لن تنتهي...خرجت من الكشك الى قطرات الغيث مرة أخرى...و قطرات المعلومات...و قطرات العلم...لهذا النوع من العلم الحدسي تشوف دانشمند للوصول الى الفطرة...فقد علم ان كثرة التعرض لأنواع الحقائق الصحيحة في ذاتها يورث علما أقرب ما يكون الى اليقينيات الأولى...و علم بلا شك أن ان الحقائق في نفسها معلم...أن ان تقبل الحق نفسه يورث ابصارا و معرفة بحقائق أخرى..في شبكة من حقائق مثناثرة في الوجود كتناثر شبكة العصبونات المستقبلة لها...لهذا كان الأعرابي قديما مع عريه عن علوم النحو لا يلحن...و ان لم يعرف براهين النحو لكن لسانه ما كان يستطيع غير الحق من الاعراب...و لهذا في الفقه انتشرت عبارات مثل فقيه البدن..كناية عمن دخلت تفاصيل و دقائق معلومات الفقه مع نفسه العاقلة حتى التحمت ببدنه فصار عالما به بوجوده هو نفسه...و مثله في المحدثين ما حكاه ابن رجب من تراجيديا تناقص العلم بالعلل...فذكر ان كبار العالمين بالعلل كان يعرض عليهم الحديث الظاهر الصحة فيحكمون ببطلانه دون تفكير دون ان يعلم احدهم بقول الآخر فيه ..فان فتش وجد كما قالوا...حتى قال السائل: أشهد ان هذا العلم الهام...
مثل هذا النوع الراقي من العلم يجده الأطباء و الفيزيائيون و المهندسون و غيرهم ممن يتعاطون العلوم التطبيقية ...اذ قد تعرض عليهم حالة تبدو لغيرهم صحية و سليمة جدا...لكن لخبرتهم و توالي صور الحالات عليهم يرون ما لا يرى غيرهم و احيانا بدون ادنى تفكير...فيدركون من الخلل في البحوث او الدراسات او التشخيص ما لا يراه غيرهم بالمنهجيات العلمية المنظمة...
-كيف يكون ما لايدخل بسهولة تحت التعبير اللغوي افضل و اكثر افادة لليقين مما يدخل تحت المنهج و التنظيم و التعبير؟؟
-يا هماز ...تعرف ان اللغة و البيان هي بحسب القدرة...و ان الأقدر على العلم يكون أقدر على البيان و التحكم في اللغة الا لعارض...
فعلا...مع أني مللت من الاستماع اليهما...لكن ارتباط المعلومة باللغة في افادة القوة امر ملموس..لا أريد ان افكر الآن في مسألة الكلام و خلق القرآن...لكن ما يحدث الآن هو تفوق ظاهر لشباب الفايسبوك في امتلاك أزمة البيان الهندسة الواقعية للكلمة ..على نوع البيان الذي يمتكله النظام في مواجهتهم لمحاولة ابقاء الجموع ما أمكنه في حلمها الوردي الذي صنعه لها...البيان و التحرر...الرحمن علم القرآن..خلق الانسان ...علمه البيان...يا لغبائك يا جابري رحمك الله على أي حال...لا أحب ان أسلبك حظك من نفسي من الرحمة فكيف بحظك من رحمة الله...
فاللغة سواء كانت رموزا او حروفا او ارقاما تكمن أهميتها بلا شك في استحالة الوعي بالوجود من دونها...هذه الاستحالة التي أدركتها بشكل كوميدي مضحك المدرسة الوضعية حين حاولت الاستعاضة عنها و عن مطباتها باختراع طريقة تفاعل جديدة مع الوجود..فوضعت صفخات من الرموز لتفسير كلمتين عبرت عنهما اللغة ...رفعوا الراية البيضاء متأخرين..لكن ما لم يتأخر ظهوره ..ان اللغة قيد لا فرار منه لمن يريد هندسة اي معنى للوجود...و ان تاخر بعدها كثيرا ان ينتبهوا ان الوجود نفسه...انما ينبني صورته في الوعي باللغة كما ان هندسته او بالأحرى برمجته لغوية لا تختلف عن بقية البرمجات.....كون بني ...بكلمات...او بكلمة...مشكلة اللوغوس...و كلمة الفطرة .كون.مفطور...فطر السماوات و الأرض...او على حد تعبير الألماني المخترع لأول حاسوب...أن الكون ما هو الا سجن حواسيب عملاق...علمه البيان...الشمس و القمر بحسبان...بحسبان
- و ما ادراك ان منفذا ما غير موجود..أي كون لا نهائي او ربما لا نهائية في العد
-ان استطعتم ان تنفذوا...فانفذوا...اينما تكونوا يدرككم الموت يا شاطر.....فالعمليات الفيزيائية و الكيميائية لكل العناصر الحية في الوجود تحكمها قوانين الترموديناميك..والقانون الأول يقول: أن مصيرك حتمي الى الفناء..و القانون الثاني يقول : أنك لن تستطيع التحكم بمصير الطبيعة فكيف بمصيرك أنت؟ و القانون الثالث يقول: ان مفارقة الطبيعة و الهيمنة عليها مستحيل...و القانون الرابع يقول: لا مفر لك أبدا من هذه اللعبة...
يبدوان مصممان على ادخالي في نقاشهما...و ان كان علي أن أعترف انه في الصميم...فمشكلات البرمجة لغوية كانت او رقمية او ايحائية لأي عملية تقتضي معالجة ما في الحياة من ارادة و حركة...مصادرها تجتمع في شق الفضاء او المكان لتقدير حجم الذاكرة و في شق الزمان لتقدير عدد الخطوات لكي تحل الاشكال و من ثم تحديد الخيار الصحيح بين الايجاب و السلب..الاثبات و النفي...الزقاق المظلم لكن سكانه من معارفي..و الزقاق المنير لكن رواده منكرون...أي خوارزمية يمكن ان تبرمج مراجعة لاحتمالات الخطأ و الصواب لا بد ان يبقى بسبب محدودية تلك المصادر قدر من الفارق الزمني لكي تتمكن نفس البرمجة من الحصول على الاجابة بالخطأ او الصواب ..و كلما كان حجم المعالجة أكبر زاد حجم الفارق..ما يطلب من المبرمج قدرا اكبر من الاحاطة للقدرة على البيان بلغة البرمجة...و من هنا كانت تراتبية العالم و الأعلم منه او المبرمج و الأكثر قدرة على البرمجة منه...و من هنا لانهائية الكلمات...و من هنا كانت كل المعلومات المبرمجة في الكون على شكل كلمات امر ...كان تلمسها و استشعارها كما تستشعر لوحة الكترونية لمسبار النفايات الكونية..أقوى من مجرد ملاحظة العلاقات بينها.في التغلغل الى الفطرة او رقاقة البرمجة الأولى..سمه حدسا او كشفا او ذوقا...لكنه متضمن للنظر العقلي و لا يضاده..و ان كان اصعب في التحكم و الملاحظة لكن اثره اطول و أقوى كأثر النقل بالتواتر...و لهذا كان نظرية المعرفة الاسلامية صلبها علم الحديث القائم على ان التواتر سيد الأدلة...و لهذا قال احمد انه ان لم يكن اهل الحديث هم الطائفة المنصورة فلا أدري من يكونون ؟؟ و لهذا لم يستطع هؤلاء الفراعنة الجدد ملاحظة الرياح المتواترة التي هبت على مدى عقود و عقود على شعوبهم من كل الجهات حاملة واردات خفيفة ليست يقينية في ذاتها لكن بمجموعها هي أقوى من سلطتهم المعرفية على شعوبهم التي ما عاد ممكنا تسيرها بنفس طريقة عقود عبد الحليم و ام كلثوم...
لكن المشكلة كيف تنتقل رياح هذه الكلمات او المعلومات او الواردات او الشيفرات او سمها ما شئت من الكون و الوجود و الواقع حتى تصل الى الوعي الحدسي المعاش عبر لغة برمجتها في المستوى الأساسي؟
- ان كان هذا الحدس موجودا عند المحدثين ايضا ..فما الذي يميزه عن الذي عند الصوفي...هذا سيجعلهما في نفس القدر..
نعم ..ذكرتني بالمحدثين و علم العلل ...حين سألهم من ادهشه اتفاق كلمتهم على رد الحديث الظاهر الصحة...فأجابوا: لا ندري...لكن نرى للحديث الباطل ظلمة و نرى للحديث الصحيح نورا...
من بعيد أغشى عيني ضوء السيارة الشيفروليه ناظري...يبدو انهم فرحون بالحدث...فاستخدامهم لنور السيارة ايقادا و اطفاءا دون صوت ...مشعر بحب الاحتفال الصامت بحذر...نعم...النور...الضوء...كيف لم أتنبه لهذا من قبل؟؟ انظر الى كم المعلومات التي وصلت بقدر منضبط من السرعة بمجرد اطفاء و ايقاد لضوء...
اطفاء ايقاد..سالب موجب...صفر وواحد...ظلمة و نور...نفي و اثبات..لا اله..و الا الله...تناغم البرمجة و المعرفة و الذكر..فذكر..ان الذكرى تنفع المومنين...فبرمج.....و النور او الضوء هو الجامع بين مظاهر الوجود المعرفية....
المعلومة/الكلمة....المادة /المقدار... الطاقة /الارادة
ففي نسيج كالسجاد الممتد الذي تبدو فيه الأرض كحلقة ملقاة في أرض فلاة...و هندسته المتكاملة منذ القدم بتداخل القوى الثلاث التي بها قد امسكت السماوات والأرض ان تزولا...الجاذبية الكهرومغناطيسية و النووية...يبدو النور او الضوء..المرشح الأكبر للعب دور القاسم المشترك بينها جميعا...دور الحبر الالكتروني الخفي الذي يكتب به قلم الخلق ...ليس غريبا انهم منذ مدة ليس بالبعيدة توصلوا في جامعة هارفارد الى تحويل المادة الى نور و النور الى مادة...او بتعبير المشرفة على هذا الانجاز الصامت غير المسبوق : نستنتسخ المعلومة من الضوء الى المادة دون ان نفقد الطاقة خلال هذه العملية.....
ضحكت كأحمق في الزقاق لم يثر استغراب أهل الحارة ....فقد سبقت أمثالها....نعم ..يبدو واضحا الآن....لقد كان واضحا منذ الجدال الكوانتي في ماهية الضوء اهو موجة ام فوتون...كان يحتاج فقط الى اثبات تجريبي...و ان كان في جوهره لا يختلف ما اثبته علم البصريات الالكتروني في قدرة الضوء النادرة على نقل المعلومات عن ما ذكره ابن الهيثم و اضرابهم في فلسفة علومهم...بل هذا هو الذي يشاهده كل اعرابي و هذا البائع و كل الناس حين يتلقون المعلومات يوميا مع كل انفتاح لأعينهم...ربما لهذا وضع رمز حورس رمز العين في هندستهم لقمة الهرم الوجودي الفرعوني الذي يظن هذا الثمانيني انها ستدوم له منها ما لم يدم لهم....و كذلك عملية النقل...لا تختلف في جوهرها عما يصل الى جميع آلات المعرفة فينا من الحدس الى العقل الى الحواس من آثار اللغة و الترميز عبر خصائص الضوء..لا يزيد في شيء عما أثبته الخوارزمي و أتباعه من خصائص التشفير على منطق الجبر البولوني في البرمجة البسيطة....
في كل هذ النسيج من النور...من المنطقي جدا ان تكون نفط الاتصال من المصدر و المنبع عند هذا النسيج هي الأكثر كثافة ...هي الأكثر اشعاعا بالنور...و بالتالي أكثر كثافة معلومات و أكثر مادية و اكثر طاقة....و بحسب القرب من مراكز النور / المعلومات/ الاتصال هذه ...يكون القرب أكثر من الصواب و البعد أكثر من الحطأ في نسبية متكاملة تراعي جميع ابعاد المعرفة بما فيها بعد المراقب...فقط يجب العثور على جهة هذا المركز.للوصول الى ما يوافق الرقاقةالأولى المعبئة بالمقدمات الأولى..أو بعبارة أخرى فطرنا عليها ...لهذا كانت كلمة السلف قوية : مصادر المعرفة اليقينية هي فقط الفطرة...و الوحي.....هما كقطعتي البوزل...واحدة فارغة و الأخرى توافقها..و حياتك هي لكي تبحث القطعة عن مكانها..
يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا
نورا...و البيان و اللغة...قفزت صائحا دون شعور في دهشة من المارة المسرعين...أنزلت قبعتي بخجل و تابعت طريقي...
انا انزلنا التوراه فيها هدى ونور
واتيناه الانجيل فيه هدى ونور
الحمد لله....كما افتتحت السورة الوحيدة التي أنزلت كاملة و انزلها جملة كبيرة من رسل النور من المخلوقات المخلوقة من نور
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون
-ما أخبث دخولك من باب النصيحة...تسأل عن الفرق بين المحدثين و الصوفية...السند يا روح أمك ..لولا السند يا خبيث لقال من شاء ما شاء...
أحسنت ...هذه المرة ضربته ضربة قوية..نعم المرجعية و تجريد المتابعة و الاعتصام بها و نبذ التقليد...تصحيح القبلة الى نقاط النور و كراته القوية الساقطة على نسيج هذا الحلم....مكونة نقط الاتصال بين العالمين...هذا هو الذي يقابل الاستلاب من الواقع بالمرجعية الأصلية ..و تعيد الثقة لعقلك و حدسك و حواسك و من ثم لكل الواقع المعاش...و بدون هذه الثنائية و في غياب احد طرفيها ...تنقطع صلة قوى الادراك في النفس العاقلة بكل الواقع ..او بعبارة بسيطة..الانتحار او الجنون او كلاهما...و لهذا كان قول ائمة الملاحدة و محققوهم ان الجنون آخر مقامات الملحد...
هذا هو الذي أدى بدانشمند الى مرحلته الأخيرة من الاشتغال بعلم الحديث و البخاري على صدره...أيكون الشك الابراهيمي الذي ترقى بدانشمند هو ما جعله يشك أيضا في عصمة الحدس الكشفي كما شك في عصمة الحواس و العقل و توصل الى ان لا معصوم من آلات المعرفة ؟ أيكن تجاوز لايبنز بغروره اللوغاريتمي حين قال ان البرهان العقلي الصحيح ضمانة من ان يخدعنا الوجود ؟؟ ؟؟أيكون أدرك ما فات لايبتنز و سبينوزا من أن النظام المعرفي كما النظام الوجودي ممكن لا يثبت بنفسه؟؟ أيكون سقط على نفس الاستنتاج الذي سقط عليه أحد أصدقاء العبقري أينشتين ...غودل من ان أي نظام رياضي ثابت يستحيل ان يثبت من داخله ما ادى بأرسطو العصر ببرتراند راسل ان يمسك برأسه بعد ان أجهز هذا الشاب على طاغوته الرياضي الطوري الأكسيومي في امتلاك الحقيقة؟؟ مثبتا ان اي نظام رياضي ممكن لا يمكن ان يكون ثابتا و كاملا في آن...وهو ما أثبت أن أوروبا بقضها و قضيضها أساءت تقدير ابتسامة موناليزا ديكارت؟
أكان دانشمند في آخر حياته بهذه الجرأة النيتشوية من التعالي على كافة الوجود الممكن ليبحث عن نقط اتصال من خارج هذا الحلم /النظام /الواقع يثبت بها ؟؟ فألقت به الى البخاري و مسلم و ابن خزيمة و ابي داوود و الدارمي و ابن حنبل و غيرهم ممن دعوا بالحشوية ..و ما نقموا منهم الا ان يقولوا : فوق السماء رب؟؟
هـــــاليلويـــا....هاليلويـــــــــــــا ...ربما هناك اله فوق ...و كل ما تعلمته عن الحب...
أفسدها هذا الجون ورب الكعبة...لم يدرك الفروق التي بنيت عليها القصيدة بين شك و شك و يقين و يقين..فجعلها بنظرة ارسطوية مغرورة درجة واحدة..لاأستغرب اذن ان يـأذن له صاحبها اليهودي بتغييرها..فلا بد أنه علم ان هذا الغالي المغرور لا يدرك ان التفنن في اختراع اساليب جديدة في موسيقى المعازف لا يؤهلك بالضرورة لفهم موسيقى الوجود...
ألا توافقاني؟؟
لم يقطعا صمتهما و كأنهما اتفقا أخيرا على أمر...
لكن انتظر...هذا هو معنى المتجهة المخددة للفرق الجامع و الموجهة لاتفاق النورين : الفطرة / الرقاقة و الوحي/ الاتصال..هذا هو اذن..المباينة...هذا ما كان يبحث عنه دانشمند....و ما ابتغاه افلاطون من الأول...مباينة عالم لعالم آخر يثبته....العلو...هذا ما كان يبحث عنه نعم...العلو...هذا الخلاص مما حرفه أتباع الهرمس المثلث من لوحته الشهيرة: و هكذا يصير ما كان عليا سفليا..و ما كان سفليا عليا...اجهاز على المتجهة التي تحدد قبلة العلم و الايمان معا...ذات ايست...لهذا ركز المحدثون في استنكارهم على هذا الفيروس الجديد على قضية العلو...يـــيس...فأنواع التأويلات البوليسية هي عبث في البرمجة..و الفيروسات ما هي في الصحة كما في البرمجة الا وضع للكلم في غير مواضعه...لهذا تكرر عند الشافعي وهو المعاصر لهذا الاختراق...مثال القبلة الذي بنى عليه هذا الامام نظريته في المعرفة في مواجهة هذا الاختراق الثقافي...ليستحق ابن غزة الصمود هذا لقب المجدد بلا منازع....فول وجه شطر المسجد الحرام ..فطرة الله ..فطر الناس على هذه الجهة...جهة العلو...دليل الكمال....ثم و لله المثل الأعلى..و لهذا ربط الفطرة بالجهة و القبلة...قد نرى تقلب وجهك في السماء...فلنولينك قبلة ترضاها...فول وجهك شطر المسجد الحرام...و أينما كنتم فولوا وجوهكم شطره..فطرة الله ...أعتقها فانها مومنة...
من آيات صاخب الدهر ..أن يكون خروج هذا الرجل بين اهل الرأي و اهل العبادة ...كأن تذكرة لما سيتطور اليه هذا الفيروس/ الفكرة مع الزمن فيهما حتى تبعدهما عن اصل الوحي.. هذا من من عجيب تصرفات صاحب الدهر
رحمك الله يا شافعي...رحمك الله يا ابن المبارك ...رخمك الله ياابن هارون...الآن أدرك لماذا قامت ثائرتكم حتى كفرتم من قال بنفي العلو....كانت اشارة حاسمة على ان هؤلاء و فكرهم هو من خارج منظومة الأمة المعرفية و انهم لا يدخلون بحال في هامش الاختلاف المضمون بين كافة الآراء في الأمة و التي يضمنها حق الرد الى الله وو رسوله...و لهذا نبهوا انهم لم يكن لهم من العلم شيء و لا عرفوا بالعلم و لا اشتغلوا بالآثار و لا لهم التزام بثوابث الأمة ختى تعذرهم في اختلافهم كما يعذر بعضهم بعضا ...لم يتعرضوا ابدا لنور الكلمات التي لا تنفذ ووارداتها التي وحدها توافق الرقاقة الفطرية المبرمجة و وحدها الضامنة للعصمة...بكلام نبيها صلى الله عليه و سلم في مثل ما جاء به و مثل الناس من الحجارة الى الأرض الخصبة... كانت ثورة على ان تسلب ارادة الأمة ....و ان تتحكم فلول الحضارات المعادية لها في خيارات ما بعد ثورتها..من خلال سلب تصورها ...من خلال غرس فكرة...فكرة واحدة في بدايات مسلماتها...و سلب ثمار ثورتها ....و من ثم سلب كل واقعها و حريتها
و الأفظع...سلب أحلامها و حتى قدرتها على الحلم
-و ما الذي يضمن لك ان ذلك الوعد من وراء الحلم ليس الا وعدا من قبيل الأحلام ايضا
- قد قلت لك ان هذا الخناس لن ينته..في ثلاث مواضع من كتابك لا رابع لها ترشدك لكي وريد الجدال معه...يسأل بصفاقة كيف تضمن و كأنك تتحدث عن مخلوق لا عن خالق الحلم و الواقع اي عالم الغيب و الشهادة معا..هذا هو نفس سؤاله السفسطائي الذي يلجأ اليه كلما هاجمه اليقين يصوره بصور مختلفة لكن دائما هو نفس السؤال : هذا الخالق خلق الخلق فمن خلق الخالق؟؟....كل شيء ملكه فلا ظلم و لا حكم الا له و علمه وسع كل شيء فلا يضع شيئا خلاف موضعه فلا ظلم...ألا ترى سؤاله هذا كمن يرى رأسه مقطوعة في حلمه؟؟ماذا تنتظر ؟؟
نعم ما الذي يضمن لي؟؟ هي كلمة قالها لي...من يضمن لي كلماته؟...هنا منتهي الأقدام....و هنا لا شيء الا ما رفعت منه الأقلام و جفت منه الصحف مما لا يعلمه أحد لحد الآن...شقي و سعيد...تذكرت كل آيات الكتاب...هو قال انه ما فرط فيه من شيء...فلا بد أن يكون ذكر أمر سدرة المنتهى هذه...وقفت امام الباب...صمت و سكون و توقف كل شيء...تحركت ابتسامتي...لم تخيب ظني...هذا هو....
حسن الظن...كان دائما هناك...حسن الظن..ما حكته رابعة عن نفسها حين كانت متهجدة فقالت يا رب اتعذب نفسا أحبتك..فناداه الهاتف أن احسني الظن....نعم صدقت يا حي...صدقت يا حي...انها تجارة رابحة...تبيعني يقينا بنفسي و بعقلي و بحواسي و بوجودي كله...و أبيعك مجرد ظن بك...ما أكرمك و ربح البيع يا حي...
الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاه فيها مصباح المصباح في زجاجه الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مباركه زيتونه لا شرقيه ولا غربيه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم ...
-ماذا أنتظر؟؟ فقط أن نصل الى باب البيت..فأنا متشوق لرؤية صور سقوط الفرعون...و أعدك انه سيبيت هذا اليوم أيضا بلا عشاء...
قلت بسم الله ...و أغلقت الباب....و انطلقت ضحكاتنا الشيطانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق