الخميس، 25 يوليو 2013

ابن رشد و العلمانية

تكثر الأسئلة مؤخرا عن علاقة ابن رشد بالعلمانية و ان كان هو المؤسس الحقيقي لها لما لفكره من الأثر العظيم في مؤسسيها الأوائل قبل و بعد عصر الأنوار…و انقسم الناس بين من بدفع عنه و من يجعله اب العلمانية الحديثة , و ما عندي و لست ممن عندهم عند أنه كان من أكبر من اصل للفكرة من خلال مزج الفكر اليوناني بالاسلامي…و ان كان لا يعني مؤسسها بمعنى الابتداع اذ الفكرة كانت رائجة قبله عند الفلاسفة الاسلاميين و عنهم اخذها …لكن توسعه فيها وا منافحته عنها بل و ارجاع سبب تخلف الأمة اليه هو الذي قد يجعله المؤسس في نظري…و يبدو لي ان خطأ يكمن في انه لحظ ليبرالية المصلحة في تبعية الدين لها و لم يلحظ -او لم يشأ – ما لحظه ابن تيمية مثلا من تبعية المصلحة في ليبراليتها للدين في جدلية مقاصدية معروفة..كما قال ابن القيم و ما من مصلحة متيقنة الا و ثم شرع الله بها…و هو اصلا نابع من الايمان…ضعف ايمان ابن رشد كما ضعف المتكلمين الذين جعلوا النصوص لا تفي بعشر معشار المصالح …بأن في الكتاب تفصيل كل شيء كما ذكره الشافعي علمه من علمه و حرمه من حرمه ..و انه ان لم يتوصل الى حل تشريعي يضمن حرية المصلحة مع امن القاعدة..فان العيب في نفس نظر المجتهد لا في النص…و لكن ما ذكره شيخنا الفاضل هشام عن اغترار بن رشد بنظرة ارسطو و تحكميتها و افتراضها عصمة الية الاجتهاد عند المجتهد لم تكن لتدع امثال المتكلمين و الفلاسفة ان يلحظوا هذا المقتل ما سيؤدي بهم في مدارس الأصوليين سواء الحنفية منها او الشافعية الى تجميد اصول الفقه و فقدانه المرونة اللازمة و هو ما سينتقده الأحرار من الأصوليين بعدها في مشاريعهم المقاصدية كالغزالي و العز و ابن تيمية و الشاطبي…
و في رأيي ان الداء الذي اصاب الأولين من المأمون الى ابن رشد هو استبطانهم اصلا لوجود حكمة مستقلة عن الوحي فيما اتى به الوحي..ثم بعدها لما رأوا تنافضها الصريح مع ظواهر الوخي حاولوا التوفيق بينها و بين الوحي بأن يجعلوا مرجعية الوحي صامتة و مرجعية الحكمة متكلمة و ان وصفوها بأنها خادمة للوحي..لكن الحق يقال و مع ابن رشد على الخصوص ظهر انهم يريدون لهذه الحكمة المستقلة الهيمنة على الوحي او تنحيته جانبا فكثر اختلافهم على نبيهم و صار الحال الى ما ترى..و لهذا كثر نعي السلف عليهم بان لا يبحثوا عن غير الوحي فقد كفيتم..و اصل كل ذلك في كتاب الله ان السابقين من قبلنا لم يختلفوا الا من بعد ما جاءتهم البينة..فلم يقنعوا بهذه البينة و مضوا يبحثون عن بينة اخرى مستقلة ..محققين بذلك ما نبأهم به نبيهم صلى الله عليه و سلم من انهم سيسري فيهم داء من قبلهم من الأمم و سيتبعون خطواتهم حذو القذة بالقذة…حتى ان دخلوا جحر ارسطو المظلم لدخلوه…
و المقصود انهم استبطنوا وجود حكمة مستقلة عن الوحي فيما اتى به الوحي…..لا فيما لم ياتي لبيانه..فعلى هذا قد يرد عليه المسلم : ان زعمك ايها الفيلسوف اليوناني ان لك نظرة الى فلسفة الحياة او فلسفة العلوم قد اقبلها منك ما دمت تتكلم عن مقارنات بين القدرة العقلية عندي كبشر و القدرة عندك كبشر مثلي..لا ان تقارنها بالقدرة العلمية عند من هو اعلى مني و منك..المشكلة ان هؤلاء الفلاسفة و اتباعهم يستبطنون ان لا وجود في رسالتنا لقدرة علمية فوق قدرة البشر..لهذا فكلامهم يكون متجها مباشرة للهجوم بصلافة و كبر ما هم يبالغيه على الجانب الالهي باعتبار انه ليس الا مجهودا بشريا..و ان لم تحس بتمردهم على الدخول الى هذا القفص فأنت لا تعرفهم و لاتعرف معنى استقلالية حكمتهم ..و لهذا حين تتعمق في مقاصد الفلاسفة على حد تعبير اشهر تلامذتهم و اخبرهم بهم..تجد انهم يصرحون ان لا وحي و لا يحزنون..و انما هي كذبة متقنة من الرسل الذين ما كانوا الا حكماء ادركوا ان تسيير العوام الى ما فيه صالحهم لا يتم الا بالكذب عليهم…و لهذا اول ما يتجلى ذلك هي في النزعة القوية عندهم في توفيقاتهم المزعومة بين حكمتهم و حكمة الشرع بوضع الشرع تحت حكمتهم لا العكس بدعوى ان حكمتهم قطعية و حكمة الشرع ظنية..
و اضرب لك مثالا على فئران حكمتهم التي لا تريد دخول القفص حتى يتبين لك الفرق بين ما يذكرونه عن الغزالي من استحباب اخذ المومن الحكمة انى وجدها حين تكون ماخوذة لدعم بينات الشرع …و ما يذكره ابن رشد و غيره مما يدعونه قطعيات مقدمة على الوحي و يخضع لها الوحي ..
فمثلا من ابسط المحاور و اعمقها في آن هي تأسدهم على قوانين المعرفة في القرآن..فأنا اقبل مثلا ان يأتيني ارسطو و يزيدني بعدا معرفيا في طريقة التعامل البشرية التي طورتها في قياس الشمول..بما ان الشرع لا يتعارض معه في كثير من قياساته ..فآخذ من ارسطو و يأخذ مني..و نتعاون على البر و التقوى في مثل هذا القياس من الحسابات الفلكية مرورا بحسابات التفريعات القانونية و انتهاءا بحسابات الذكاء الصناعي…لكن حين يأتي متأسدا و يحاول قصم ظهورنا و تسديد لكمات الى وجوهنا زاعما حصر المعرفة في قياس الشمول و طريقته و يستخف بقياس التمثيل و انواع القياسات المذكورة في القرآن بزعم انها خطابية و جدلية لا تفيد اليقين.. لأ بقى…الأسد هنا نروضه حتى يدخل القفص الذي يزعم انه اضيق منه..و نريه ان هذا القفص يسعنا و يسعه..بما اننا جميعا بشر…و نبين له انه هو من يضيق في القفص اذ يحجر واسعا انطلاقا من غروره العرقي اليوناني او تقليده الأعمى لهم و يقصر الحق فقط على نوع واحد من البراهين يزعم انه هو المقنن له و المخترع لتوصيفه..بل ونزيد من تهشيم وجهه و تحطيم راسه ببيان ان برهانه الذي يزعم قطعيته اكثر ظنية من قياس الشمول الذي دل الشرع عليه و انه اكثر اصالة و تجذرا في الواقع المحسوس منه لكون مادته منه..فبهذا يتبين الفرق ممن ياتينا بحكمة من حكم الناس و البشرية جمعاء دل عليها الوحي و اعتبرها او سكت عنها و سعى لوضعها تحت اصل من اصوله و اخضعها لهيمنته…و بين من سعى الى ان يجعل هذه الحكمة هي الأصل و هي القاعدة و ما دونها لها تبع بما فيه ظواهر الوخي و كلياته و هو فعل صاحبنا ابن رشد و اصحابه من قبله….لكن ابن رشد قد يتميز عنهم جميعا بتثبيته لأصول هذه الفكرة و كان أكبرها تنظيره الغنوصي العميق و الأول فيما يبدو لي للمبادئ العلمانية الحديثة من فصل الدين عن الحياة العامة فيما سماه بيان الاتصال بين الشريعة و الحكمة ..فهو و ان اقر بتحكيم الشرع..الا انه جعله كأي شرع ممكن الاستغناء عنه حالما يترقى الشعب و يصل الى درجة المعرفة الفلسفية المطلوبة و جعله كخيار بين الخيارات فضلا عن جعل الشرع في نفس الأمر و حقيقته شرعا بشريا مغلفا بغلاف الهي كاذب و بذلك نفث اوائل القوالب الحديثة لنظريات الأنسنة ونزع القداسة عن المعطى الانساني اليومي..
و قد يعترض الكثيرون بقيمة ابن رشد في الفقه الشرعي و علم الأصول مع انه مناقض تمام المناقضة للفكر اليوناني العلماني الغنوصي…و هذا اعتراض مفهوم خاصة من المالكية ممن له صلة رحم بابن رشد..و هو ما يؤكد فعلا مقولة ان العلم رحم بين أهله …فما ان تظهر كلاما في ابن جني او الزمخشري حتى بنابذك اللغويون..و ما ان تظهر كلاما في ابن الخطيب او في المسعودي حتى يعاجلك المؤرخون ..و في حالة ابن رشد و الحق يقال انه من افضل الفلاسفة نهجا و اسلمهم دينا و احسنهم طريقة..و ما ذلك الا لما ذكرته من اخذه بحظ وافر من نور الوحي.فأثر عليه و عصمه من كثير من الزلل.و لهذا ما زالت المالكية على غلظتها في مسائل الأسماء و الأحكام تحفظ له قدره ..و منهم من يلحقه بجده في تحرير ما عليه المذهب و معرفة المعتمد فيه..و كتابه البداية كما ذكرت من الكتب النادرة في معرفة الخلاف العالي و اسبابه و مآخذه..
الا ان الرجل له وجه آخر يكاد يكون منفصما عن وجهه الشرعي..و قد بين بنفسه حال هذا النفاق و ذكر اصوله عنده و لم يجب نهجه..من ترك ما لله لله و ما لقيصر لقيصر حتى انه مال فيه الى القول بقدم العالم.. و ان تعظيم الشريعة لا يكون الا لخداع الجمهور و مسايرتهم و السيطرة على حركاتهم و الا فانها ليست حقا في نفسها عنده..و لهذا حط عليه اهل الايمان و بينوا عواره..و لهذا كل من تعرض لنقد ابن رشد للغزالي بانصاف جزم ان ابن رشد ما زاد على ان مكن الغزالي من رقبته..فحجة الاسلام كان يشير الى مواطن الخلل في فلسفة المشائين من خلال نقدها نقدا عاما خارجيا…و ابن رشد لفرط غلوه في ارسطو و تقليده له ما كان يستطيع رؤية اطار خارج اطار الفلسفة الأرسطية.. فيحاول رد التنازع مع الغزالي الى مبادئ الفلسفة المشائية الأولى مع ان الامام الغزالي لا يسلم بها اصلا في هذا الموضع و ان استصحب ابن رشد تسليمه بها في مواضع اخرى..فالغزالي كان اعمق شكا من ابن رشد و اكثر وجودية مما لم يستطع معه الأخير ان يتلمس معه موطن النقد و الذي سيتلمسه بقية المفكرين المعالجين لشروحه على ارسطو و خلاصة فلسفته التي نقلها الراهب توما…و المقصود ان ما يذم به ابن رشد يكاد يضعه على الحافة و ليس هو من جنس الفلاسفة المقرمطين الملحدين بالمرة كالسهروردي و ابن سبعين و الحلاج و ابن الراوندي و الرازي..لكنه ايضا ليس من ائمة الدين و لا فلسفته اصل التنوير و التعقل
وابن رشد هو سائر في ذلك على منوال المعلم الثاني و الشيخ الرئيس و الطوسي و اضرابهم و ان كان اقل غلوا منهم و اقرب الى الاسلام كابي البركات و البيروني ..من تعظيم الشريعة و بيان انها الأفضل لسياسة الناس و الخلق و قد يذهب امثلهم طريقة الى انها في باب العمليات اصلح و انفع لتسيير الأمور العامة من حكمة الفلاسفة و قوانين البشر و تحقيق المدينة الفاضلة و هو ما يعنونه من تقريب حكمة الأوائل الى تعاليم الأنبياء كما فعله الفارابي و ابن رشد ..الا انهم في الباطن يقولون ان لا حقيقة لكل ذلك..و ان الأنبياء ليسوا الا فلاسفة و حكماء كبار رأوا ان المصلحة في السياسة لا تكون الا بالكذب على الجماهير..و ان ما اخبروا به من الايمان باللله و ملائكته و رسله و اليوم الآخر و المعاد و القدر لا حقيقة له في نفس الأمر و امثلهم طريقة كابن رشد يانف من القول بانها كذب الى القول بانها امثال مضروبة للتخييل و تقريب الأمور لما وقر في نفسه من تعظيم الوحي ..و ان البرهان دل على خلاف ذلك و ان الأنبياء لم تخبر الناس بذلك لعجز الجماهير عن تلمس البرهان و فهمه و ميل العقلية الجماهيرية الى التجسيد و نفورها من التحريد الملازم للبراهين المنطقية بزعمهم و عجزها عن تعقله ..و ابن رشد اميل الى تصديق النبوة في نفس امر النبوة دون ما اخبرت به..و البقية هم اقرب الى نفي حقيقة النبوة من الأصل..و هو كفر صريح كما ترى ..و ان كان ابن رشد في رده على الغزالي يخرج اقوالهم في هذا و في بقية ما كفرهم به الغزالي من انكارهم لعلم الباري بالجزئيات و قدم العالم و نفي معاد الأجسام مما اجمع عليه المسلمون ..اخرجه ابن رشد على الأصل في الاختلاف على تكفير منكر الاجماع..و هو تخريج باطل رده عليه من طائفته المالكية الامامين ابن دقيق العيد و الامام الشاطبي فاجادا ..
و يخرجه ايضا بن رشد محتجا في كل ذلك بحديث علي حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله…و هو عليهم لا لهم ..اذ ما يتكلمون به لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم فكيف يكون تكذيبه تكذيبا للنبي صلى الله عليه و سلم؟؟ و انما يكون تكذيبه مما لا يحتمله عقل العوام هو فيما صح نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا و معنى و اشتهر عنه ..فان حدث به بعض الناس فربما لم يعقله فيكذبه فيحسن ان لا يحدث به ..فاين هذا من ذاك؟؟
و لتقسيمهم الناس في ذلك الى عامة و خاصة في مقابلة علومهم البرهانية بزعمهم ..تراهم يتكلمون في الفلسفة و الغيبيات على اصل الخاصة الذي ذكروه فان تكلموا في الفقه و لوازمه تكلموا بعلم العامة …و لهذا كثر فيهم الاباحية و ترك الصلاة و شرب الخمر و ان كان منهم كابن رشد من لم يخالط من ذلك شيئا و بعضهم الآخر كابن سينا و الطوسي من أثر عنهم الرجوع عن هذه الاعتقادات و لزوم اقوال الأنبياء و تعظيمها و المواظبة على الصلوات و بقية شعائر الدين..و الطريف ان ابن رشد للمتأمل في تصرفه يجده يسلك في الغيبيات طريقة اهل الباطن متأثرا بكلام ابن باجة كما لاحظه شيخ الاسلام و غيره و يسلك في الفقهيات طريقة اهل الظاهر متأثرا بكلام ابن حزم كما لاحظه المراكشي و غيره.. و مما يتصل بهذا الباب من الطرافة في القول بالباطن و الظاهر و يبين ماخذ ابن رشد فيهما انه رد على الغزالي كتابه في اصول علوم الخاصة بالتهافت و اخنصر كتابه المستصفى في اصول علوم العامة …فسبحان من جمع بين النقيضين
مع أن كل من خبر كلام ابن رشد احس بغلوه في تقدير البرهان النظري حتى اداه ذلك الى الغلو في ارسطو غلوا انكره عليه و نقضه عليه الأوروبيون قبل المسلمين…و غالبا ما يستشهد في ذلك بما اورده مؤرخو الفكر 
كرينان في رشدياته..وهو و ان كان كلاما ظاهر الترجمة الا ان اصوله مبعثرة في كلام ابن رشد و لعلها اشد وقعا مما في الرشدية..اذ يبدو ان الترجمة لطفتها …و تجد بعضه علاوة على ما قدمه رينان..في ثنايا الرسائل المجموعة في المتن الرشدي التي يقول فيها : فما أعجب شأن هذا الرجل وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لتوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى في النوع الإنساني محسوسا ومشارا إليه بما هو إنسان ولذلك كان القدماء يسمونه الإلهي وان ليس في أقاويل أرسطو شيء يحتاج إلى تتميم و أن نظره فوق جميع الناس..
و مما يجب ان يحسب للشيخ ابن رشد..أنه كان من الأفراد القلائل بعد عصر القرون الثلاتة الأولى الذين كانوا يقدرون معنى الحرية في الاسلام و يأنفون من التفريط فيها للطمع في مال او جاه او منصب او تلميعا لسلطان او حاكم او مشهور.. مشابها في ذلك لقلة من الشخصيات التي بلغت الغاية في هذا المعنى كخصمه حجة الاسلام الغزالي او المفكر الحنبلي ابن عقيل او الامام الثوري الهروي او الموسوعي ابن تيمية ممن تلمس في حياتهم كيف استخدموا الشغف المعرفي كأداة لتحقيق مستوى الحرية الذاتية على المستوى الفردي التي كان يتمتع بها الصحابة و من بعدهم و من ثم الانطلاق الى استغلال ما لديهم في تلمس الأهداف الجماعية و صياغة الصورة الجماعية لمجتمعاتهم المتفردة عن بقية المجتمعات البشرية…..
و لكن جنايته و بقية الفلاسفة على المنظومة المعرفية الاسلامية كان كبيرا من حيث ابعادها عن الواقع المعاش و المناهج التجريبية و اغراقها في غنوصيات قضت عليها مع مرور الزمن…رغم ان تحريم مثل هذه المناهج الفلسفية قد تجده في القرويين و الزيتونة و الأزهر و غيرها معلنا….لكن ابحث و ستجد حالها كحال الدساتير العربية..فرغم رفعهم شعار عقد الأشعري و مذهب مالك و طريقة الجنيد السالك …فالمنطق المشائي و الفلسفة الأفلوطينية كانت مبادئها حاضرة و مهيمنة على آليات المناهج المعرفية لشتى العلوم من الفقه و اصوله الى اللغة و التصريف..فضلا عن انها نفسها كانت لها دروس قائمة بنفسها في هذه الجامعات لكن متقنعة بعناوين مؤلفات دينية او ثيوصوفية لكنها في الجوهر تفكير فلسفي يمكن ان يصنف في الذروة من جهة تفهمه لمقاصد الفلاسفة الأولين في رؤيتهم للعلاقة بين الوعي و العالم ..و هذا هو نفسه النهج الذي دعا اليه دعاة التوفيق كالفارابي و ابن سينا و خصوصا ابن رشد اخذت به هذه الأمة بينما عدوتها رأت ما فيه من العطل فأخذت بخلافه و تجاوزته الى ما هو خير منه..فكان الحال على ما ترى…
فعلا قد نتفق انه في القرون المتأخرة توقف التطوير نهائيا في شروح كتب المنطق و شروح الكتب الفلسفية و الثيوصوفية..فالتطوير كان متوقفا تماما في كل شيء..و لكن هذا لا يعني انه توافق مع موت ابن رشد..فالفلسقة في عهده و بعده بقرون قد تطورت مع بقية العلوم برفعها الى مستويات اعلى من الترابط بين عناصرها و بينها و بين الوعي الجمعي ما أظن ابن رشد نفسه كان يحلم به.. لكن ألا يبدو غريبا ما يدعيه المستشرقون و من بعدهم الحداثيون ان لاحظنا ان هيمنة الفلسفة و المنطق الأرسطي على المشهد الثقافي الاسلامي من الهند الى المغرب قد تزامنت زيادة الهيمنة هذه بشكل غريب مع نقصان التطوير و زيادة الجمود طردا و عكسا؟؟
سؤال اظن البحث فيه و التأمل قد يقود الى مفتاح المسألة الشائكة التي حيرت المؤرخين الموافقين و المخالفين…لم تأخر المسلمون و تقدم غيرهم و انتقل المشعل في نفس اللحظة الني كانوا فيها في اوج تطورهم التكنولوجي؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق